مرض الربو يصيب المجاري التنفسية ويؤدي إلى التهابها ومن ثم تضييقها وزيادة حساسيتها. وهو مرض شائع يصيب نحو 4 إلى 32 في المئة من البشر، ويؤدي إلى عدد كبير من المراجعات إلى أقسام الطوارئ وعيادات الأطباء، كما قد يؤدي إلى الوفاة في الحالات الشديدة (18/1000.000). يعتقد الكثير من الباحثين أن نسبة الإصابة بالربو قد ازدادت بسبب التدخين وزيادة التلوث والاعتماد على المواد الصناعية والكيميائية، كما أن الربو له علاقة مباشرة مع الغبار والأتربة ومخلفات العث والحشرات التي قد تسكن معنا في البيوت.
إن الهواء النقي مع نسبة رطوبة ملائمة والسكن النظيف والخالي من دخان السجائر تعتبر من أهم العوامل المساعدة على تفادي الربو وعلى تحسين فرص علاجه. وعلى الرغم مما يشاع عن مرض الربو إلا أنه يمكن علاجه والسيطرة عليه والتأقلم معه، ولكن لا بد للمريض والطبيب المعالج من التعاون للوصول إلى أحسن مستوى من السيطرة على المرض والتأقلم مع الحياة المنتجة. فهناك العديد من الرياضيين المحترفين المصابين بالربو المصاحب لرياضة الجهد وهم يأخذون أدويتهم بانتظام حسب إرشادات الطبيب ثم يتدربون أو يتنافسون في الرياضة ويعيشون حياتهم مثل أي إنسان عادي يحب الرياضة ويستمتع بالمنافسة.
مرض الربو كما يعلم القارئ مرض شائع جدًا، وهناك الكثير من المرضى الذين يعانونه. ونظام علاج الربو يخضع لمراجعة مستمرة من قبل المختصين. وهناك جهات علمية عالمية تضع ضوابط وطرق العلاج، وتصدر هذه الضوابط بناء على أفضل الأدلة العلمية المتوافرة، ويتم مراجعتها بصورة دورية كل سنة أو سنتين، وتصدر الجهات الصحية في كثير من الدول إرشادات لعلاج الربو، وهناك إرشادات سعودية يتم مراجعتها بصورة دورية.
ويتطلب علاج الربو تفهُم التغيرات التي تحدث وتزيد من أعراض الربو. لذلك على الطبيب الحصول على معلومات مفصلة عن المرض من المريض. وإذا كان المريض يتناول علاج الربو ولكنه لا يشعر بالتحسن فيجب حينئذ البحث عن سبب ذلك، كأن يكون المريض غير منتظم في أخذ العلاج أو لا يجيد استخدام العلاج أو يحتاج إلى تعديل في جرعة أو نوع العلاج، كما سنبين لاحقًا. كما يجب البحث عن أسباب زيادة أعراض الربو كالتهاب الجيوب الأنفية أو توقف التنفس أو ارتداد الحمض إلى المريء وعلاجها. كما يجب جعل بيئة غرفة النوم مناسبة جدًا، حيث يفضل عدم استخدام السجاد (الموكيت) في غرف المصابين بالربو الليلي لأنه وسط مناسب جدًا لعيش عثة الغبار، كما يُنصح بتنظيف غرفة النوم والفراش بصورة منتظمة من الغبار وغسل الشراشف وأكياس المخدات بصورة منتظمة وعدم السماح للحيوانات الأليفة بدخول غرف النوم.
وسنستعرض في هذا المقال النظام العلاجي للمرضى المصابين بالربو أو حساسية الصدر. فعلاج الربو في أساسه يتكون من البخاخات وفي بعض الأحيان بعض الأقراص.
وبخاخات الربو تتكون في الأساس من نوعين: النوع الأول موسّعات الشعب أو ما يعرف أيضًا بالأدوية المسعفة ومنها بخاخ الفينتولين وتأخذ عند اللزوم أو عند إحساس المريض بضيق في التنفس، والنوع الثاني الأدوية الواقية وتأخذ عادة بانتظام مرتين أو مرة باليوم حسب وصف الطبيب. أما البخاخ المسعف فعلى المريض تناوله في أي وقت احتاج إليه. والفكرة خلف استخدام الأدوية الواقية هو تغير فهم آلية مرض الربو، حيث ينظر الأطباء للآن إلى مرض الربو على أنه التهاب يحدث في مجاري وقصبات الهواء ويحدث أعراض الربو. فآلية مرض الربو أكثر بكثير من مجرد انقباض العضلات في قصبات الهواء مما يحدث ضيقًا في مجرى التنفس. وتهدف الأدوية الواقية إلى وقف الالتهاب في قصبات الهواء، ويتم ذلك على عدة مستويات وبعدة أدوية؛ فالستيرويدات (الكورتيزون) المدعمة بموسّعات الشعب طويلة المدى تعمل على مستوى معين لوقف الالتهاب ومضادات الليوكوترايينز (سنجلويير) تعمل على مستوى آخر، وهكذا تستمر محاولات الأطباء والباحثين للوصول إلى أدوية واقية جديدة. وبفضل الله فإن النسبة العظمى من مرضى الربو يستجيبون للأدوية الواقية المتمثلة في البخاخات الواقية. وأطمئن القراء أن هذه الأدوية آمنة في الاستخدام إذا استخدمت حسب وصفات الطبيب المختص، وهناك خبرة طويلة للمعالجين مع هذه الأدوية تصل إلى عدد كبير من السنوات، كما أن هذه الأدوية آمنة الاستخدام أثناء فترة الحمل والرضاعة. وهناك اعتقاد لدى المرضى أن الربو يمكن علاجه بصفة قاطعة ونهائية بحيث تنقطع الأعراض تمامًا ولا ترجع مرة أخرى، لذلك من المهم أن يعرف أن الربو ليس له علاج قاطع ونهائي مثله في ذلك مثل مرض السكري والضغط وغيرهما، وذلك نظرا إلى وجود العاملين المهمين في تكوينه وهما الاستعداد الوراثي والمحسسات الخارجية، إلا إذا تم عزل الإنسان عن بيئته تمامًا، وهذا غير ممكن، ولكن بمحاولة تجنب المحسسات البيئية واستعمال الأدوية الفعالة يمكن للمصاب أن يعيش حياة طبيعية هادئة دون أزمات ربوية أو أعراض مزعجة. ومن الأخطاء الشائعة التوجه إلى استعمال مخلوطات عشبية غير مدروسة وغير معروفة وصرفها من قبل أشخاص غير مختصين في علم النبات والأعشاب وليس لديهم خلفية طبية جيدة. ومع توافر الأدوية الحديثة الفعالة والتي تعرف جرعتها ومدى تأثيرها وأعراضها الجانبية بالتفصيل فلا يُنصح باللجوء إلى علاجات عشبية غير مقننة وغير مدروسة وقد تكون مغشوشة أو ضارة أو غير مفيدة، وأقل ما فيها أنها قد تصرف المريض عن استعمال أدويته مما يسبب انتكاسة لحالته. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي كل المرضى.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب - جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم