من المعلوم أن هناك علاقة وثيقة بين التلوث وأمراض الرئة والجهاز التنفسي الحادة والمزمنة، والتأثير يكون أكبر لدى الأطفال مقارنة بالكبار، وقد تزداد أمراض الصدر مثل الربو والحساسية في مناطق معينة بسبب ارتفاع مستوى التلوث في تلك المناطق. وقد أظهرت عدة دراسات لعينات نموذجية من الأطفال ودراسات طولية كذلك تابعت الأطفال لعدة سنوات أن وظائف الرئة لدى الأطفال تتأثر سوءا بالتلوث الموجود في المدن من تأثير عادم السيارات والمصانع وغيرها من مصادر التلوث الهوائي؛ حيث أثبت علميًا أن تعرض الأطفال لعادم السيارات أثناء زحمة المرور يزيد من احتمال إصابة الأطفال بالربو وأمراض الصدر الأخرى.
وقد أظهر الباحثون سابقًا أن نمو الرئة لدى الأطفال يتأثر سلبًا في المناطق التي يزيد فيها التلوث الهوائي من مصادره المختلفة، وبالنسبة إلينا في المدن المزدحمة كالرياض وغيرها من مدننا الكبيرة فإن مصدرًا أساسيًا للتلوث هو عادم السيارات الذي يتعرض له الأطفال كثيرًا خاصة أنه ليس لدينا معايير مطبقة بانتظام لمتابعة التلوث الذي تصدره السيارات، فمن المألوف جدًا أن ترى في شوارعنا سيارات تنفث وراءها دخانًا كثيفًا وتذكرنا بالسيارات التي ترش المبيدات الحشرية (الفليت)، لذلك يظهر هنا سؤال مهم وهو هل يؤثر عادم السيارات الملوث للهواء في نمو الرئة لدى الأطفال. وهنا أود أن أستعرض دراسة جديدة ظهرت منذ وقت قريب في مجلة لانست الطبية المرموقة؛ فقد قام مجموعة من الباحثين من جامعة كاليفورنيا الجنوبية بدراسة نحو أربعة آلاف طفل متوسط أعمارهم 10 سنوات وأجروا اختبارات خاصة للتنفس للأطفال سنويًا لمدة ثماني سنوات متتالية، ووضع الباحثون كذلك معايير دقيقة لتحديد مدى تعرض الأطفال لعادم السيارات في مناطقهم السكنية. وأظهرت الدراسة نتائج مهمة جدًا يجب علينا أن ندرك أهميتها ونعمل على وضع الحلول لها. فقد أظهر الباحثون أن الأطفال الذين يعيشون في دائرة نصف قطرها 500 متر من طريق سريع للسيارات (هاي وي) تأثر نمو الرئة لديهم، وكذلك كان هناك نقص مهم في وظائف الرئة لديهم مقارنة بالأطفال الذين يسكنون في منازل تبعد 1500 متر أو أكثر من الطريق السريع. وقد حرص الباحثون في الدراسة على استبعاد كل العوامل الأخرى التي قد تؤثر في الرئة ووجدوا أن عادم السيارات كان العامل الأساس في تأثر وظائف الرئة. وخلال المتابعة قام الباحثون بالكثير من الاختبارات التي تحدد وظائف الرئة وأثبتوا وجود نقص في أكثر من وظيفة مقاسة. مما سبق يتضح أهمية وجود آلية دقيقة وواضحة لمتابعة مستوى التلوث الهوائي في مدننا الكبيرة، خاصة إذا علمنا أنه وبسبب ازدياد الكثافة السكانية في المدن فإن بعض المدارس تنشأ قريبًا من طرق مزدحمة، وكذلك فإن بعض الأحياء في مدينة الرياض قريبة جدًا من مصانع ومصادر أخرى للتلوث الهوائي، وهذا دون شك سيؤثر في الجهاز التنفسي عند الأطفال، وسينعكس بدوره على الحاجة إلى رعاية طبية في المستقبل لعلاج الآثار الناتجة عن التلوث وزيادة العبء العلاجي على القطاع الصحي.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم