بحث متقدم
رغم أن الإنسان يقضي نحو ثلث حياته نائمًا، إلا أن الأكثرية لا يعرفون الكثير عن النوم. هناك اعتقاد سائد أن النوم هو خمول في وظائف الجسم الجسدية والعقلية يحتاج إليه الإنسان لتجديد نشاطه. والواقع المثبت علميًا خلاف ذلك تمامًا، حيث إنه يحدث خلال النوم العديد من الأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم بصفة عامة وليس كما يعتقد البعض. بل على العكس، فإن بعض الوظائف تكون أنشط خلال النوم، كما أن بعض الأمراض تحدث خلال النوم فقط وتختفي مع استيقاظ المريض. واعتلال النوم قد يؤدي إلى أمراض عضوية خطيرة. ولإعطاء القارئ فكرة عن مدى خطورة تجاهل هذه الاضطرابات واعتبارها كأن لم تكن، سأذكر مفصلاً اضطرابًا واحدًا منها، وهو الاضطراب المعروف باسم (انقطاع التنفس أثناء النوم). وفيه يحدث الشخير وانغلاق متكرر للمجرى الهوائي العلوي الذي يمر عبره الأوكسجين إلى الرئتين. وعلاوة على ذلك أن هذا المرض منتشر في المجتمعات، فإن تأثيره محسوس؛ إذ إن بعض العلماء شبه ضرر هذا المرض بضرر التدخين. وأثبت علميًا أن (انقطاع التنفس أثناء النوم) له صلة بعدد من الأمراض، حتى أنه أحد أسباب الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع ضغط الدورة الدموية الرئوية، وعدم انتظام عمل القلب، واحتباس الدم الموضعي في القلب، واحتشاء عضلة القلب، وتصلب الشرايين والجلطة الدماغية والقلبية، كما برهن العلماء أن نسبة الوفيات عند الذين يعانون (انقطاع التنفس أثناء النوم) الحاد أعلى من غيرهم. وقد ظهر أن التشخيص الصحيح والمعالجة المناسبة تمنع بمشيئة الله ما ذكر آنفًا من مضاعفات؛ بل إن المريض المصاب به يكون عرضة أكثر من غيره للإصابة بضعف الإدراك، وعته التفكير والفهم، وضعف الذاكرة والضعف الجنسي. كما أن نسبة انتشار الاكتئاب عند المرضى الذين يعانون هذا المرض أعلى من غيرهم، ونظرًا إلى استسلام هذه الفئة من المرضى للنوم الطويل نهارًا فإن نسبة خطر تعرضهم للحوادث الوظيفية أو على الطرق أعلى من غيرهم بنسبة ثلاثة إلى سبعة أضعاف. كما أن قدرتهم على الإنتاج والتقدم تكون أقل بكثير من غيرهم من الأصحاء. والمرضى الذين يعانون هذا المرض يلجؤون إلى مراجعة المستشفيات والعيادات بكثرة مقارنة بغيرهم، مما يعني زيادة أعباء الرعاية الصحية لهم في الوقت الذي كان يمكن تفادي ذلك لو أن هذه الفئة من المرضى شُخصت حالتها تشخيصًا صحيحًا وأعطي لها العلاج المناسب في أول الأمر.
ولكن هل هذا المرض شائع في المملكة؟
أظهرت دراسة قمنا بها حديثًا على عينة من الرجال السعوديين متوسطي العمر (نحو 600 رجل) وتم تقديمها في مؤتمر الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر هذا العام أن 30 في المئة من متوسطي العمر من الرجال قد يكونون مصابين بتوقف التنفس أثناء النوم ويحتاجون إلى إجراء دراسة للنوم للتأكد من وجود المرض ومدى شدته.
جدول: واقع طب النوم في المملكة مقارنة ببعض الدول المتقدمة
الدولة |
عدد السكان |
عدد مراكز اضطرابات النوم |
عدد الأسرة المتوافرة لطب النوم |
عدد الأسرة/مئة ألف |
عدد دراسات النوم في السنة |
عدد دراسات النوم/السنة/مئة الف |
أمريكا |
280،000،000 |
1،292 |
-- |
-- |
1،170،000 |
427.0 |
كندا |
31،400،000 |
100 |
440 |
1.4 |
116،000 |
370.4 |
أستراليا |
18،970،000 |
65 |
244 |
1.3 |
53،500 |
282.0 |
بلجيكا |
10،000،000 |
50 |
150 |
1.5 |
17،716 |
177.2 |
إسبانيا |
40،341،462 |
63 |
-- |
0.29 |
17،270 |
45.6 |
بريطانيا |
58،800،000 |
84 |
170 |
0.3 |
25،000 |
42.5 |
اليابان |
126،686،000 |
146 |
-- |
-- |
23،184 |
18.3 |
السعودية |
21،500،000 |
9 |
14 |
0.06 |
1536 |
7.1 |
المصدر: أ.د. باهمام. المجلة الطبية السعودية 2007
وما استعرضناه هو مرض واحد من أمراض النوم. فإذا علمنا أن هناك أكثر من 84 مرضًا واضطرابًا قد تصيب النائم، وعلمنا أن هذه الاضطرابات قد تصيب الإنسان في أي مرحلة عمرية فإننا ومن دون شك سنبدأ في إدراك مدى جدية المشكلات الصحية التي تفرضها الإصابة باضطرابات النوم، وأهمية توافر الموارد والتجهيزات المناسبة لعمل التشخيص الصحيح ووصف العلاج الناجع في مرحلة مبكرة.
والسؤال الآخر وهو أساس هذا المقال، ما واقع طب النوم في المملكة؟
وللإجابة عن هذا السؤال أجرينا مسحًا للمستشفيات والمراكز الطبية في المملكة في عام 2005 وسيُنشر هذا البحث في المجلة الطبية السعودية هذا الشهر. ويوضح الجدول المرفق واقع خدمة طب النوم في المملكة مقارنة ببعض الدول المتقدمة. حيث ظهر أن عدد الأسرّة المخصصة لطب النوم في المملكة هي 0.06 سرير لكل مئة ألف مواطن مقارنة بـ 0.3 إلى 1.5 في الدول المتقدمة. كما أظهرت الدراسة وجود نقص شديد في المختصين في طب النوم سواء من الأطباء أو الفنيين الذين يراقبون المرضى خلال الدراسة. ويوضح الرسم البياني المرفق الأسباب الرئيسية التي تمنع المسؤولين من بدء هذا التخصص في مستشفياتهم.
مما سبق يظهر أن طب النوم لا يزال في خطواته الأولى في المملكة، وبناء على ما علم حتى الآن من خطورة هذه الاضطرابات على الصحة فإنه لا بد من الاستثمار في الآليات التي تساعد على انتشار هذا التخصص حتى يتاح التشخيص والعلاج لكل المصابين، ولا بد كذلك من الاستثمار في الأبحاث العلمية التي تبين مدى انتشار هذه الاضطرابات والأمراض في المملكة حتى يمكن تحديد عدد المراكز والمختصين الذين تحتاج إليهم المملكة لمواكبة الخدمات الصحية في الدول المتقدمة.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم