EN
:  حجم الخط
النوم والضوء

تغير الروتين اليومي لكثير من الناس مع المدنية الحديثة، وأحدث ظهور الكهرباء والضوء تغيرا كبيرا في نظام العمل والحياة وهذا أثر بشكل كبير على عدد ساعات ونوعية النوم.  ومن المثبت علميا أن الناس الآن ينامون أقل بساعة إلى ساعتين من أسلافهم قبل 100 سنة.  وهذا يعني أن هناك تغيرا في الساعة الحيوية (البيولوجية) والإيقاع اليومي للناس.  والله سبحانه وتعالى خلق الليل للراحة والسكن وخلق النهار للعمل.  ولنا أن نتخيل ما عليه حالنا لو دام الليل أو النهار قال تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون *قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) القصص 71-72.  فالليل والنهار نعمتان كبيرتان من الله ولكل منهما دوره وأثره والله سبحانه وتعالى لم يخلق الضياء في النهار والظلمة في الليل عبثا بل نعمة ورحمة منه، قال سبحانه: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) القصص 73. 

Sleep and Light

فالساعة البيولوجية في الجسم تنظم عمل الجسم بالتناغم مع البيئة المحيطة بالإنسان، فالضوء في النهار يؤثر على الجسم ونقص الإضاءة في الليل لها تأثير آخر.  وتفرز الغدة الصنوبرية في المخ هرمون الميلاتونين (يعرف بهرمون النوم) والذي يذهب بدوره مباشرة إلى الدم ويسبب النعاس وله كذلك وظائف أخرى. ويزداد إفراز الهرمون في العادة بسرعة بين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء ويستمر ارتفاع مستوى الهرمون في الدم حتى ساعات الصباح الأولى وبعد ذلك ينخفض بسرعة في النهار ويصل مستواه خلال النوم إلى 10-20 ضعف مستوى النهار.  ويصاحب ذلك تغيرات أخرى حيث تنخفض درجة حرارة الجسم قبل وخلال والنوم وتزداد بعد ذلك في النهار وكذلك الحال بالنسبة لسرعة دقات القلب وضغط الدم حيث تنخفض في الليل وتزداد في النهار.  والضوء هو العامل الأساس الذي يحدد مستوى هرمون الميلاتونين في الدم فالتعرض للضوء الساطع يوصل مستوى الهرمون في الدم إلى الصفر.  وقد حدثت تغيرات كثيرة في حياتنا في السنوات الأخيرة أثرت على إيقاعنا اليومي ومنها ارتفاع حدة الإضاءة الليلية في منازلنا وأسواقنا وهو بدون شك يؤثر على عدد ساعات وجودة النوم.  فمستوى الإضاءة في كثير من منازلنا في الليل يزيد عن مستواها في النهار.  كما أن العمل أمام الكمبيوتر حتى ساعات متأخرة يعتبر تعرضا لضوء شديد وكذلك الحال بالنسبة للتعرض لألعاب الكمبيوتر بالنسبة للأطفال.  ما سبق يدعمه الكثير من الأبحاث،  حيث أظهرت الأبحاث أن التعرض لضوء ساطع خلال النصف الأول من المساء يؤدي إلى نقص مستوى هرمون الميلاتونين وتأخر النوم وزيادة دقات القلب ونقص جودة وعدد ساعات النوم مقارنة بالذين تعرضوا لضوء خافت.  ما سبق ينطبق كذلك على التعرض لألعاب الكمبيوتر.  وتأثير ما سبق يكون أكثر وضوحا بالنسبة للأطفال مقارنة بالكبار.  و يوضح هذا سبب سهر أطفالنا وزيادة نشاطهم حتى ساعات متأخرة من الليل وهذه شكوى شائعة تصلنا من كثير من الآباء والأمهات.  ويعتبر التعرض للضوء الساطع خلال الليل ولفترات طويلة أحد أسباب تغير الساعة البيولوجية وينتج عن ذلك أيضا زيادة النعاس في ساعات النهار الأولى مما يزيد من احتمال نوم الطفل في المدرسة.  لذلك وجب الاحتياط لما سبق.  و أنصح القراء الكرام بأن يكون مستوى الإضاءة في المنازل وفي غرف الأطفال هادئا قبل وقت النوم بساعتين حتى نتيح لأجسامنا إتباع النظام الفيزيولوجي الطبيعي الذي خلقه الله داخل أجسامنا.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share