EN
:  حجم الخط
الأحلام والكوابيس

تعتبر الأحلام نوعًا من النشاط العقلي الذي يحدث داخل المخ خلال النوم، ويتفاوت محتوى الحلم من أفكار وصور بسيطة إلى قصص مطولة يصعب التفريق بينها وبين الحقيقة، وقد تتضمن الكثير من النشاط الجسدي.

وقبل الإسهاب في الحديث عن الأحلام، يجدر بنا الحديث عن مكونات النوم الطبيعي، فالنوم ليس فقدانًا للوعي أو غيبوبة وإنما حالة خاصة يمر بها الإنسان، وتتم خلالها أنشطة معينة، فعندما يكون الإنسان مستيقظًا يكون لدى المخ نشاط كهربائي معين، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير، ودراسة النوم تساعدنا على تحديد ذلك تحديدًا دقيقَا، فالنائم يمر خلال نومه بعدة مراحل من النوم لكل منها دورها، فهناك المرحلة الثالثة والرابعة، أو ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان لاستعادة الجسم نشاطه، ونقص هاتين المرحلتين من النوم ينتج منه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار، وبعد نحو 90 دقيقة تبدأ مرحلة حركة العينين السريعة (حيث تتحرك العينان حركة أفقية سريعة ومنتظمة أثناء النوم وتلاحظ بكثرة لدى حديثي الولادة) وتعرف هذه المرحلة تجاوزًا بمرحلة الأحلام، وتحدث أكثر الأحلام خلال هذه المرحلة، ويعتقد البعض أن هذه المرحلة مهمة لاستعادة الذهن نشاطه.

والمرور بجميع مراحل النوم يعرف بدورة نوم كاملة، وخلال نوم الإنسان الطبيعي (6 إلى 8 ساعات) يمر الإنسان بنحو 4 إلى 6 دورات نوم كاملات. وتحدث الأحلام عادة طوال الليل، وقد كان يعتقد في السابق أن الأحلام تحدث خلال مرحلة حركة العينين السريعة فقط، ولكننا نعلم الآن أن الأحلام يمكن أن تحدث في جميع مراحل النوم، ولكن طبيعة الأحلام التي تحدث خلال مرحلة حركة العينين السريعة تختلف نوعًا ما عن الأحلام في المراحل الأخرى، فالأحلام التي تحدث في مرحلة حركة العينين السريعة تكون عادة أكثر تفصيلاً وتشبه الحقيقة ويمكن تذكرها بشكل أفضل وخاصة الأحلام التي تحدث في آخر الليل.

الجدير بالذكر أن مرحلة حركة العينين السريعة تزداد عادة خلال الساعة الأخيرة من النوم، وفي هذا الوقت تزداد كمية الأحلام؛ لذلك فإن الأشخاص الذين ينامون ساعات أقل من حاجة أجسامهم ربما لا يقضون وقتًا كافيًا في هذه المرحلة، ولذلك يشعرون بأنهم لا يحلمون خلال نومهم.

هناك فئة من الناس تدعي بأنها لا تحلم أبدًا فهل هذا صحيح أم أنها تعاني النسيان؟

لا يتذكر كثير من الناس أحلامهم، وهذا لا يعني بالضرورة أنهم لا يحلمون، فقد أظهرت الأبحاث في المختبر أن كل الأشخاص تقريبًا يمرون بمرحلة الأحلام، وقد تكون هناك عدة أسباب لعدم تذكر البعض أحلامهم، فالأشخاص الذين لا يشغلون بالهم بموضوع الأحلام ربما لا يتذكرونها، كما أن الشخص الذي ينام ساعات قليلة ربما لا يمر بالمرحلة الأخيرة من النوم التي تحدث فيها الأحلام الطويلة.

Dreams and Nightmares

كيف تتكون الأحلام؟

من المنظور الإسلامي فإن الرؤيا الصالحة واردة وهي من علامات الإيمان، بل اعتبرها الرسول صلى اللّه عليه وسلم جزءًا من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة، كما في الحديث: "أصدقكم رؤى أصدقكم حديثًا ورؤى المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاث: رؤيا صالحة بشرى من اللّه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدّث بها الناس"

أما من الناحية العلمية الطبية التجريبية فإن موضوع كيفية تكوّن محتوى الأحلام لا يزال موضوع خلاف بين المختصين، والذي يظهر أن الأحلام في غالب الأمر تعكس التجارب اليومية التي مر بها الإنسان؛ حيث إن الأحلام في العادة تتضمن الأحداث التي حدثت في اليوم السابق، ومن ناحية علمية تطبيقية، أظهرت الأبحاث أن محتوى الأحلام يتأثر بعمر الإنسان وجنسه (ذكر أو أنثى) والبيئة التي يعيش فيها، فكبار السن مثلاً قد يحلمون بأحداث مضى عليها أكثر من 50 سنة، كما أن الأطفال الصغار يدور محتوى أحلامهم في العادة عن الحيوانات، كما أن السيدات تكثر على أحلامهن صبغة الحوار اللفظي أو الكلامي، في حين أن أحلام الرجال يظهر فيها بصورة أكبر القلق والعنف الجسدي، كما أظهرت الدراسات أن أحلام السيدات تتساوى فيها نسبة الرجال والنساء في الغالب، أما أحلام الرجال فتكون شخصيات الرجال فيها عادة ضعف عدد شخصيات النساء، وتعكس الأحلام في العادة الواقع الذي يعيشه الإنسان خلال يقظته، ولكن صلة الحلم بواقع حياة الحالم ربما لا تكون مباشرة وواضحة، ولكن الحالم في كثير من الأحيان يدرك تلك الصلة، كما أن أكثر الأحلام ربما لا تكون سارة للحالم؛ حيث يعكس الحلم الجانب السلبي للحياة والأحداث اليومية.

وعادة ما تهتم السيدات بمحتوى الأحلام أكثر بكثير من الرجال، وقد اهتم المسلمون منذ قديم الزمان بمحتوى الأحلام وتفسيرها حتى أصبح ذلك علمًا قائمًا بذاته ليس فقط لدى المفسّرين كابن سيرين بل حتى لدى المفكرين العرب كابن العربي وابن خلدون اللذين حاولا تحليل وتقسيم الأحلام ومصادرها، واهتمام المسلمين بعلم الأحلام سبق الغرب بكثير، حيث بدأ الغربيون حديثًا بدراسة علم الأحلام لدى المسلمين ومقارنة نظريات المسلمين حول الأحلام بالنظريات لدى الغربيين، كما حاول بعضهم دراسة ما ورد عن الأحلام في القرآن الكريم والأحاديث المشرفة ومقارنة ذلك بما ورد في التوراة والإنجيل.

هل الأحلام مفيدة؟

الأحلام مرحلة أساسية من مراحل النوم، ومن المعلوم طبيًا أن نشاط المخ خلال مرحلة حركة العينين السريعة التي تحدث فيها أكثر الأحلام يكون أعلى من نشاطه خلال الاستيقاظ، ويقضي الإنسان البالغ من 15 إلى 25 في المئة من نومه في هذه المرحلة، وظهرت الكثير من النظريات والفرضيات حول أهمية الأحلام، كأهميته لنوم المخ حيث يقضي حديثو الولادة نحو 50 في المئة من نومهم في هذه المرحلة، كما يعتقد البعض أن مرحلة الأحلام مهمة لتقوية الذاكرة والتركيز؛ حيث أظهرت إحدى الدراسات ضعف أداء الطلاب الذين لم يصلوا لهذه المرحلة، ويعتقد آخرون أن الأحلام مهمة لإزالة الأحاسيس والعواطف الضارة التي قد تؤثر في حالة الاستيقاظ، وجدير بالذكر هنا أنه لا توجد أدلة علمية قوية تدعم ما سبق ذكره، ولا يزال الموضوع يحتاج إلى كثير من البحث، وهناك نظرية أخرى تقول إن الأحلام مهمة لحديثي الولادة للحفاظ على درجة حرارة المخ، حيث إن حرارة المخ ترتفع خلال مرحلة الأحلام.

هل هناك أمراض أو اضطرابات عضوية تصاحب الأحلام؟

نعم، هناك عدة اضطرابات قد تصاحب الأحلام مثل الجاثوم وغيره، ولكن قبل التطرق إليها يتطلب منا أن نقدم شرحًا مبسطًا لآلية الأحلام حتى يتمكن القارئ من فهم هذه الاضطرابات.

تحدث الأحلام الطويلة عادة خلال مرحلة حركة العينين السريعة (كما ورد سابقًا).

وقد خلق اللّه سبحانه وتعالى آلية تعمل لتحمينا من تنفيذ أحلامنا، تدعى هذه الآلية (ارتخاء العضلات)، وارتخاء العضلات يعني أن جميع عضلات الجسم تكون مشلولة خلال مرحلة الأحلام ما عدا عضلة الحجاب الحاجز وعضلات العينين، فحتى لو حلم الشخص بأنه يقوم بمجهود عضلي كبير فإن آلية ارتخاء العضلات تضمن له بقاءه في سريره.وتنتهي هذه الآلية بمجرد الانتقال إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم أو الاستيقاظ، إلا أنه وفي بعض الأحيان يستيقظ النائم خلال مرحلة حركة العين السريعة، في حين أن هذه الآلية (ارتخاء العضلات) لم تكن قد توقفت بعد، وينتج من ذلك أن يكون الإنسان في كامل وعيه ويعي ما حوله ولكنه لا يستطيع الحركة بتاتًا، وبما أن الدماغ كان في طور الحلم فإن ذلك قد يؤدي إلى هلوسات مرعبة وشعور المريض باقتراب الموت أو ما شابه ذلك وهو ما يعرف عند العامة بالجاثوم وطبيًا بشلل النوم. وهذه الحالة حميدة حيث لم يثبت حدوث أي حالة وفاة خلال شلل النوم، فالحجاب الحاجز لا يتأثر ويبقى التنفس طبيعيًا وكذلك مستوى الأوكسجين في الدم، ومعظم هؤلاء المرضى ليسوا بحاجة إلى علاج طبي. وعند أكثر المرضى يكون شلل النوم العرض الوحيد، ولكن في بعض الحالات يكون مصحوبًا باضطراب آخر يدعى نوبات النعاس أو النوم القهري. والنوم القهري اضطراب نوم يتميز بهجمات غير مقاومة ولا يمكن السيطرة عليها من النعاس تصيب المريض بالنوم. والمرضى المصابون بشلل النوم المصاحب للنوم القهري يحتاجون إلى العلاج الطبي والمتابعة الطبية لعلاج النوم القهري.

وعلى النقيض من الجاثوم هناك اضطراب نادر يصيب كبار السن المصابين بأمراض عصبية مركزية كمرض الرعاش، يعرف هذا المرض بالاضطرابات السلوكية المصاحبة لمرحلة الأحلام. وفي هذا الاضطراب تختفي آلية الشلل التي تحدث عادة في مرحلة الأحلام مما ينتج منه أن ينفذ المريض الحركات التي يفعلها في حلمه مما قد ينتج عنه إصابة المريض إصابات بالغة نتيجة السقوط أو الاصطدام بأجسام صلبة أو إصابة من ينام بجانب المريض نتيجة تعرضه للضرب.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share