EN
:  حجم الخط
كسل النوم

سنتحدث في هذا المقال عن موضوع قد يبدو غريبًا للقارئ موضوع كسل قصور النوم (sleep inertia). وهي مرحلة فيزيولوجية طبيعية يمر بها المستيقظ من النوم بعد الاستيقاظ المفاجئ ويشعر خلالها بالدوخة، ويكون هناك نقص في التركيز والمهارات العقلية، وقد يصاحبها بعض الاختلاط الذهني. وتستمر هذه الحالة من ثوانٍ إلى 30 دقيقة. وهناك عدة عوامل قد تؤثر في ظهور هذه الحالة. فالاستيقاظ المباشر من النوم العميق (المرحلتين الثالثة والرابعة من النوم) قبل أن يحصل المخ على كفايته من هذه المرحلة قد يؤدي إلى هذه الحالة. وللمعلومية فإن المخ يدخل مرحلة النوم العميق بعد نحو 30 دقيقة من النوم؛ لذلك يفضل ألا تزيد الغفوة النهارية (القيلولة) عن 30 دقيقة حتى لا يصاب المستيقظ بقصور النوم. كما أن هذه الحالة تتأثر بالإيقاع اليومي للجسم، لذلك فإن ظهورها قد يكون أكثر بالليل وهو وقت النوم الذي تنخفض فيه درجة الجسم عادة أكثر من ظهورها بالنهار. كما يعتقد أن شرب المنبهات كالقهوة قد ينقص من ظهور هذه الحالة. وأهمية هذه الحالة الفيزيولوجية تكمن في أن قدرة الإنسان خلال هذه الحالة على التفكير قد تتدهور خاصة إذا استيقظ الشخص من نوم عميق بعد سهر لفترة طويلة، كما يحدث في بعض المهن التي تتطلب السهر، وقد يتعرض الأشخاص فيها للاستيقاظ المفاجئ، ويتعين عليهم أحيانًا اتخاذ قرارات حاسمة بعد الاستيقاظ المفاجئ. مثل الأطباء المناوبين الذين يطلب منهم أخذ قرارات سريعة ومهمة فور استيقاظهم أو الممرضين أو رجال المطافئ أو سائقي سيارات الإسعاف الذين يضطرون أحيانًا للعمل أو التوجه إلى مكان حادث ما وقد يعرّضون أنفسهم لبعض الخطر. وأظهرت دراسة نشرت حديثًا (2006) في مجلة اتحاد الأطباء الأمريكيين (JAMA)على مجموعة من المتطوعين أن القدرة على الفهم والاستيعاب والذاكرة قصيرة الأجل تكون أسوأ بعد الاستيقاظ. وخلال الدراسة أمضى المشاركون ست ليال تمت خلالها مراقبة نومهم، حيث كانوا ينامون 8 ساعات في الليلة، وكان الباحثون يفحصون أداءهم بعد النوم كل ليلة، حيث يتم أداء اختبارات لفحص أدائهم المعرفي والذهني واختبارات للذاكرة وسرعة اتخاذ القرارات.

وتوصل الباحثون إلى أن مهارة الأشخاص موضع التجربة لا سيما الذاكرة قصيرة الأمد والعد وبدء إدراك البيئة المحيطة خلال الدقائق الثلاث التي تتلو الاستيقاظ تكون في حدها الأدنى. وأظهرت حالة القصور تحسنًا كبيرًا بعد 10 دقائق، إلا أنها استمرت بصورة خفيفة عند البعض لفترة وصلت إلى الساعتين.

وفسر القائمون على البحث بأن أسباب ذلك ربما تكون راجعة إلى أن بعض أجزاء المخ تتأخر في الاستيقاظ بعد استيقاظ المرء من النوم مباشرة. ولم يحدد موضع هذه الوظائف في المخ بالتحديد، ولكن يعتقد بعض الباحثين أن قشرة الدماغ ما قبل الفص الجبهي والتي تعتبر مسؤولة عن حل المشكلات والعواطف والتفكير المعقد هي من بين المناطق المخية التي تتأخر في الاستيقاظ. وهذا موضوع مهم جدًا يستحق الكثير من البحث حتى لا يوضع المناوبون في أوضاع لا يستطيعون خلالها أخذ قرارات مهمة وحاسمة وقد تتعلق بحياة آخرين.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share