EN
:  حجم الخط
رائحة الفم

جُبلت النفس على حب الروائح الطيبة والنفور مما سوى ذلك. لذلك يشكو كثير من المراجعين من أن رائحة الفم لديهم غير محببة أو كريهة (Halitosis). وهذا يسبب لهم حرجًا كبيرًا لا يشعر به إلا من عانى تلك المشكلة، وينتج عنه نفور المصابين من المناسبات الاجتماعية وترك مسافة كبيرة بينهم وبين من يحادثونه مما ينتج عنه في بعض الحالات نقص الثقة بالنفس. ومشكلة رائحة الفم غير المحببة شائعة، حيث أظهرت الدراسات أن 8 إلى50 في المئة من الناس في الدول المتقدمة يشكون من رائحة الفم غير المحببة بصورة دائمة أو متكررة.

والاهتمام برائحة الفم ليس أمرًا حديثًا وإن اختلفت الحضارات في فهمها واهتمامها به. ففي حين كانت بعض الحضارات القديمة تعتقد أن رائحة الفم السيئة هي نتيجة للأعمال السيئة التي اقترفها الشخص نجد أن الإسلام اهتم بأساس المشكلة وهي النظافة وبالذات نظافة الفم بالمضمضة المتكررة وباستخدام السواك في أوقات يحتاج فيها المرء إلى نظافة الفم. فبالإضافة إلى الأمر بالسواك عند كل صلاة، أمر حبيبنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بالسواك في مواضع محددة مثل وقت الاستيقاظ من النوم لأنه وقت تكون فيه رائحة الفم غير محببة (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، رواه البخاري ومسلم)، وعند دخول البيت، والمعنى أن يسبق أي لقاء (حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالت: "كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك"رواه مسلم).

ومصدر الرائحة السيئة يتكون في أكثر من 90 في المئة من الحالات في الفم أي في الأسنان أو اللثة أو اللسان. وينتج ذلك عن سوء أو عدم تنظيف الأسنان بصورة مستمرة أو التهابات اللثة المزمنة أو الحادة. كما أن اللسان قد تتكون عليه طبقة من البكتيريا تصدر رائحة سيئة. وسبب الروائح التي تصدر من الفم كما ذكر سابقًا هو نمو أنواع من البكتيريا (تختلف عن البكتيريا التي تعيش عادة في الفم عند جميع الناس) تصدر غازات تسبب الروائح الكريهة وأهم سبب لنمو البكتيريا هو عدم الاهتمام بنظافة الأسنان واللثة. ولكن هذا لا يعني أن كل من يشكو من رائحة الفم لا يهتم بنظافة أسنانه لأن هناك أسبابًا أخرى للروائح غير الأسنان واللثة، أهمها اللسان؛ لذلك لا بد من تنظيف اللسان عند تفريش الأسنان بصورة مستمرة. كما أن وجود تركيبات أسنان في الفم قد تسبب تلك الروائح. كذلك يشكو المصابون بجفاف الفم (بسبب قلة إفراز اللعاب) من ظهور هذه المشكلة.

Bad Breath

وهناك سبب آخر شائع لظهور الروائح السيئة غير التهابات الفم ألا وهو التهابات الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي. فرائحة الفم قد تتغير عند الإصابة بالتهاب في اللوز أو الحلق، كما أن التهابات الجيوب الأنفية الحادة والمزمنة قد تسبب تغير رائحة الفم. والتكيسات المزمنة في القصبات الهوائية قد تسبب رائحة غير مقبولة وكذلك التدخين. ومن الطبيعي أن تكون رائحة الفم غير مقبولة عند الاستيقاظ من النوم، ولكن الحال يكون أسوأ بكثير عند الذين يتنفسون من الفم أثناء النوم والمصابين بالشخير و توقف التنفس أثناء النوم وكذلك الذين يعانون ارتجاع الحمض أثناء النوم من المعدة إلى المريء.

وهناك أمراض أخرى قد ينتج عنها تغير في رائحة الفم مثل أمراض الكبد والكلى المزمنة وارتفاع مستوى السكر الدم وغيرها مثل بعض الأدوية.

ومن المهم هنا أن أذكر أن كثيرًا من المراجعين الذين يشكون من رائحة الفم السيئة لم يثبت أن لديهم رائحة غير طبيعية في الفم. وهذا مثبت في الأبحاث التي قاست الغازات الصادرة من الفم. فالبعض حساس جدًا وقد يسيئون تفسير تصرفات الآخرين ويعتقدون أن سبب التصرفات هو انبعاث رائحة غير مقبولة منهم، وبذلك يبدأون في بعض التصرفات التي تزيد المشكلة مثل تغطية الفم أثناء الحديث أو البعد عن الناس، في حين أنه لا يوجد أساس للمشكلة.

ويتلخص العلاج في معرفة السبب وعلاجه. فكما ذكرنا سابقًا فإن الرائحة في أغلب الحالات تصدر من الفم؛ لذلك وجب الاهتمام بنظافة الفم والأسنان واللسان وزيارة طبيب الأسنان بصورة منتظمة. وفي حال وجود التهابات مزمنة في الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي يجب علاجها علاجًا كاملا. كما أن استخدام مطهرات الفم أو العلك ذي الرائحة العطرية قد يخفف من الرائحة ولكنه لا يحل أساس المشكلة؛ لذلك وكما ذكرنا يجب معرفة السبب وعلاجه. كذلك يحتاج بعض المرضى الذين أصيبوا ببعض التغيرات السلوكية مثل الانطواء والبعد عن المناسبات الاجتماعية إلى زيارة طبيب نفسي أو اختصاصي نفسي للمساعدة على الخروج من المشكلة.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share