بحث متقدم
مرض السكري وتوقف التنفس أثناء النوم مرضان شائعان وخطيران ولهما العديد من المضاعفات الخطيرة، لكن وعي العامة وبعض الأطباء حول مدى شيوع توقف التنفس ومضاعفاته لا يزال ضعيفًا ولا يرتقي لحجم المشكلة وخطورتها. في هذا المقال سنناقش علاقة توقف التنفس أثناء النوم بمرض السكري. وقبل البدء في ذلك سنوجز وباختصار معلومات عن توقف التنفس أثناء النوم. فخلال النوم تسترخي عضلات الجسم بصفة عامة، ويشمل هذا الاسترخاء عضلات مجرى الهواء العلوي، وهي العضلات التي تساعد على إبقاء مجرى التنفس مفتوحًا وتسهل حركة الهواء من وإلى الرئتين. وهذا الاسترخاء لا يؤثر عادة في وظيفة مجرى التنفس عند معظم الناس، إلا أن فئة معينة من الناس يكون لديهم القابلية لانسداد مجرى الهواء أثناء النوم، وقد يكون هذا الانسداد كليًا أو جزئيًا. وعند المصابين بتوقف التنفس أثناء النوم، ينسد مجرى الهواء العلوي بشكل متكرر أثناء النوم بصورة كاملة أو جزئية، مما يؤدي إلى انقطاع التنفس، أو التنفس بشكل غير فعّال الأمر الذي يؤدي إلى تقطع في النوم. ومفاتيح معرفة المرض تتلخص في زيادة النعاس أثناء النهار أو كثرة الخمول والتعب، والشخير، والتوقف عن التنفس أثناء النوم، وزيادة اللهاث أو الشعور بالاختناق (الشرقة) والاستيقاظ. والمرضى المصابون بتلك الأعراض هم عادة من الذكور المتوسطي العمر الذين يعانون من الوزن الزائد (السمنة)، ولكن هذا الاضطراب قد يصيب أشخاصًا من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين وحتى أصحاب الأوزان الطبيعية. وبعض المرضى قد يكون لديهم مشكلات غير طبيعية في الأنف أو الحلق أو أي جزء من مجرى الهواء العلوي. وللتشخيص الدقيق يخضع المريض عادة لدراسة ليلية للنوم.
توقف التنفس أثناء النوم يعرض المصاب لعدة تغيرات تسبب اختلال مستوى السكر في الدم منها: التقطع المتكرر للنوم، زيادة نشاط الجهاز العصبي السيمباتيكي والذي ينخفض عادة خلال النوم ويزداد عند التوتر، ويسبب إفراز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتزول اللذين يرفعان مستوى السكر في الدم، كما أن النقص المتكرر في مستوى الأكسجين أثناء النوم يسهم في ارتفاع مستوى السكر في الدم. توقف التنفس يسبب كما ذكرنا تقطعًا في النوم وسوءًا في جودة النوم مما ينتج عنه نقص في كمية وجودة النوم. ومن المعلوم طبيًا أن نقص النوم أو الحرمان من النوم يؤثر في الهرمونات التي يفرزها الجسم فيزداد إفراز هرمون الغريلين الذي يزيد من الشهية ويزيد الوزن ويقل إفراز هرمون الليبتين الذي يقلل الشهية مما ينتج عنه زيادة في الوزن وسوء في تعامل الجسم مع السكريات وزيادة احتمال ارتفاع مستوى السكر؛ حيث إن مقاومة الجسم لمفعول هرمون الأنسولين يزداد عند زيادة الوزن عن المعدل الطبيعي. كما أظهرت الدراسات أن توقف التنفس أثناء النوم يسبب زيادة مقاومة الجسم للأنسولين بغض النظر عن وزن المريض، وهذا بدوره يؤثر سلبًا في تعامل الجسم مع السكريات ويسبب مرض السكري. وقد أظهرت الدراسات علاقة مباشرة بين شدة توقف التنفس أثناء النوم والتي تقاس بعدد مرات التوقف في الساعة وبين سوء تعامل الجسم مع السكريات ومقاومة الجسم لمفعول هرمون الأنسولين واحتمال الإصابة بمرض السكري. ويقدر الباحثون من الدراسات الميدانية التي أجريت أن 15 في المئة من المصابين بتوقف التنفس يعانون من مرض السكري، وأن 50 في المئة من المصابين بتوقف التنفس يعانون من مرض السكري أو اختلال تعامل الجسم مع السكريات. كما أن توقف التنفس أثناء النوم هو أكثر شيوعًا عند مرضى السكري منه عند العامة.
ما سبق يوضح مدى ارتباط المرضين ببعضهما، وهذا يجعلنا نسأل هل علاج توقف التنفس أثناء النوم عند مرضى السكري يساعد في السيطرة على مستوى السكر في الدم؟
الدراسات الأولية التي أجريت على الحيوانات ثم على الناس وضحت أن علاج توقف التنفس أثناء النوم باستخدام جهاز دفع الهواء الموجب السيباب يزيد من حساسية الجسم لهرمون الأنسولين. وجهاز دفع الهواء الموجب يعتبر العلاج الأساسي لانقطاع التنفس أثناء النوم. وتتلخص طريقة العلاج في أن يضع المريض قناعًا على وجهه يغطي منطقة الأنف، هذا القناع موصول بجهاز ضخ الهواء تحت ضغط موجب. ويعمل ضغط الهواء الموجب كدعامة تمنع انسداد مجرى الهواء. ويقوم الفني بضبط ضغط الهواء خلال دراسة النوم، ويستخدم الحد الأدنى للضغط الذي يكفل منع انسداد مجرى الهواء، حيث يجب على المريض أن يستخدم الجهاز في كل مرة يخلد إلى النوم. هذا الجهاز صغير وخفيف الوزن (1كلغ) كما أنه غير مزعج ومعظم المرضى يعتادون عليه بعد فترة بسيطة.
وفي دراسة نُشرت حديثًا في مجلة طب النوم السريري إحدى دوريات الأكاديمية الأمريكية لطب النوم، درس الباحثون تأثير علاج توقف التنفس أثناء النوم عند مرضى السكري من النوع الثاني باستخدام جهاز دفع الهواء الموجب (السيباب)؛ حيث قام الباحثون بقياس مستوى السكر في الدم والأنسجة لمدة يوم بصورة متواصلة قبل استخدام جهاز السيباب وبعد شهر إلى ثلاثة أشهر من استخدام الجهاز ولم يتم تغيير أدوية المرضى الأخرى خلال الدراسة. وقد أظهر الباحثون انخفاضًا في مستوى السكر في الدم بمعدل 20 ملجم وكذلك في الأنسجة، كما أن التغيرات في مستوى السكر في الدم بين زيادة ونقص قلت كثيرًا بعد استخدام الجهاز. لذلك يجب على المعالجين البحث عن علامات وأعراض توقف التنفس عند مرضى السكري وعلاج وقف التنفس إن وجد، كما يجب إجراء اختبار اختلال مستوى السكر في الدم عند المرضى المصابين بتوقف التنفس.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم