EN
:  حجم الخط
عالم الأحلام ولماذا لا يتذكر البعض أحلامهم؟

تعتبر الأحلام نوعاً من النشاط العقلي الذي يحدث داخل المخ خلال النوم، وتعتبر مرحلة الأحلام مرحلة مهمة لصفاء الذهن وللذاكرة الإجرائية. وتستهوي الأحلام العلماء والباحثين لما تمثله من نشاط خاص وغريب للمخ والأنشطة الفيزيولوجية فيه وفي كافة الجسم وارتباطها ببعض الاضطرابات التي تحدث خلال النوم. كما تستحوذ الأحلام على اهتمام الكثير من الناس لما يرون فيها من انعكاس للواقع أو المستقبل. ويتفاوت محتوى الحلم من أفكار وصور بسيطة إلى قصص مطولة يصعب التفريق بينها وبين الحقيقة، وقد تتضمن الكثير من النشاط الجسدي. وسنستعرض سبب تذكر البعض لأحلامهم في حين أن البعض الآخر لا يتذكر الأحلام وأهمية ذلك على القدرات الذهنية.

الأحلام من منظور إسلامي:

من المنظور الإسلامي فإن الرؤيا الصالحة واردة وهي من علامات الإيمان، بل اعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم جزءًا من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة، كما في الحديث: «أصدقكم رؤى أصدقكم حديثًا ورؤى المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاث: رؤيا صالحة بشرى من اللّه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدّث بها الناس».

وقد اهتم المسلمون منذ قديم الزمان بمحتوى الأحلام وتفسيرها حتى أصبح ذلك علمًا قائمًا بذاته ليس فقط لدى المفسّرين كابن سيرين بل حتى لدى المفكرين العرب كابن العربي وابن خلدون اللذين حاولا تحليل وتقسيم الأحلام ومصادرها، واهتمام المسلمين بعلم الأحلام سبق الغرب بكثير، حيث بدأ الغربيون حديثًا بدراسة علم الأحلام لدى المسلمين ومقارنة نظريات المسلمين حول الأحلام بالنظريات لدى الغربيين، كما حاول بعضهم دراسة ما ورد عن الأحلام في القرآن الكريم والأحاديث المشرفة ومقارنة ذلك بما ورد في التوراة والإنجيل.

مكونات النوم الطبيعي:

ولكن قبل التفصيل في الحديث عن الأحلام، سنتحدث عن مكونات النوم الطبيعي، فالنوم مرحلة فيزيولوجية، تتم خلالها أنشطة معينة، فعندما يكون الإنسان مستيقظًا يكون لدى المخ نشاط كهربائي معين، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير، ودراسة النوم تساعدنا على تحديد ذلك تحديدًا دقيقَا، فالنائم يمر خلال نومه بعدة مراحل من النوم لكل منها دورها، فهناك المرحلة الثالثة، أو ما يعرف بالنوم العميق، وهذه المرحلة مهمة لاستعادة الجسم نشاطه، ونقص هذه المرحلة من النوم ينتج منه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار، وبعد نحو 90 دقيقة تبدأ مرحلة حركة العينين السريعة (حيث تتحرك العينان حركة أفقية سريعة ومنتظمة أثناء النوم وتلاحظ بكثرة لدى حديثي الولادة) وتعرف هذه المرحلة تجاوزًا بمرحلة الأحلام، وتحدث أكثر الأحلام خلال هذه المرحلة، ويعتقد البعض أن هذه المرحلة مهمة لاستعادة الذهن نشاطه.

والمرور بجميع مراحل النوم يعرف بدورة نوم كاملة، وخلال نوم الإنسان الطبيعي (6 إلى 8 ساعات) يمر الإنسان بنحو 4 إلى 6 دورات نوم كاملات. وتحدث الأحلام عادة طوال الليل، وقد كان يعتقد في السابق أن الأحلام تحدث خلال مرحلة حركة العينين السريعة فقط، ولكننا نعلم الآن أن الأحلام يمكن أن تحدث في جميع مراحل النوم، ولكن طبيعة الأحلام التي تحدث خلال مرحلة حركة العينين السريعة تختلف نوعًا ما عن الأحلام في المراحل الأخرى، فالأحلام التي تحدث في مرحلة حركة العينين السريعة تكون عادة أكثر تفصيلاً وتشبه الحقيقة ويمكن تذكرها بشكل أفضل وخاصة الأحلام التي تحدث في آخر الليل.

الجدير بالذكر أن مرحلة حركة العينين السريعة تزداد عادة خلال الساعة الأخيرة من النوم، وفي هذا الوقت تزداد كمية الأحلام؛ لذلك فإن الأشخاص الذين ينامون ساعات أقل من حاجة أجسامهم ربما لا يقضون وقتًا كافيًا في هذه المرحلة، ولذلك يشعرون بأنهم لا يحلمون خلال نومهم.

كيف تتكون الأحلام؟

لا يزال موضوع خلاف بين المختصين، فهناك عدة نظريات علمية عن كيفية تكوّن ومحتوى الأحلام. والذي يظهر أن الأحلام في غالب الأمر تعكس التجارب اليومية التي مر بها الإنسان؛ حيث إن الأحلام في العادة تتضمن الأحداث التي حدثت في اليوم السابق، ومن ناحية علمية تطبيقية، أظهرت الأبحاث أن محتوى الأحلام يتأثر بعمر الإنسان وجنسه (ذكر أو أنثى) والبيئة التي يعيش فيها، فكبار السن مثلاً قد يحلمون بأحداث مضى عليها أكثر من 50 سنة، كما أن الأطفال الصغار يدور محتوى أحلامهم في العادة عن الحيوانات، كما أن السيدات تكثر على أحلامهن صبغة الحوار اللفظي أو الكلامي، في حين أن أحلام الرجال يظهر فيها بصورة أكبر القلق والعنف الجسدي، كما أظهرت الدراسات أن أحلام السيدات تتساوى فيها نسبة الرجال والنساء في الغالب، أما أحلام الرجال فتكون شخصيات الرجال فيها عادة ضعف عدد شخصيات النساء. وأظهرت مراجعة منهجية لجميع الدراسات التي قارنت بين الجنسين فيما يخص الكوابيس، ونشرت في مجلة (Sleep Med Rev.)، أن النساء يملن إلى تذكر وذكر الكوابيس أكثر من الرجال ولكن لم يتم العثور على هذا الفرق بين الجنسين في الأطفال وكبار السن. وأظهرت دراسة كندية حديثة درست الجوانب النفسية السلوكية للأفراد نشرت هذا العام (2014)، أن هناك اختلافا بين الرجال والنساء في طبيعة ونوعية الكوابيس التي يحلم بها الرجال والنساء أثناء النوم. وأوضحت الدراسة التي أجريت في جامعة «مونتريال» واعتمدت على استفتاءات شارك فيها 300شخص من الجنسين، أن الرجال في العادة تنتابهم كوابيس مزعجة عن الحرائق والفيضانات والحروب والكوارث. وفي المقابل فإن كوابيس النساء المفزعة تكون عن المشاحنات والمشاجرات البسيطة والأكاذيب والخيانة. وتعكس الأحلام في العادة الواقع الذي يعيشه الإنسان خلال يقظته، ولكن صلة الحلم بواقع حياة الحالم ربما لا تكون مباشرة وواضحة، ولكن الحالم في كثير من الأحيان يدرك تلك الصلة، كما أن أكثر الأحلام ربما لا تكون سارة للحالم؛ حيث يعكس الحلم الجانب السلبي للحياة والأحداث اليومية. وعادة ما تهتم السيدات بمحتوى الأحلام أكثر بكثير من الرجال.

ومن المهم أن نذكر في هذا السياق أن هناك بعض الأدوية والأمراض وبالذات الأمراض النفسية التي قد تزيد من الكوابيس وتذكر الأحلام. ولكن لم يدرس حتى الآن التغيرات التي تحدث في الدماغ عند هؤلاء الأشخاص.

هل يحلم من لا يتذكرون أحلامهم؟

لا يتذكر الكثير من الناس أحلامهم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم لا يحلمون، فقد أظهرت الأبحاث في المختبر أن كل الأشخاص تقريبًا الذين لا يشكون من اضطرابات النوم مثل توقف التنفس أثناء النوم يمرون بمرحلة الأحلام.

لماذا لا يتذكر البعض أحلامهم؟

وقد يكون هناك عدة أسباب لعدم تذكر البعض أحلامهم، فالأشخاص الذين لا يشغلون بالهم بموضوع الأحلام ربما لا يتذكرونها، كما أن الشخص الذي ينام ساعات قليلة ربما لا يمر بالمرحلة الأخيرة من النوم التي تحدث فيها الأحلام الطويلة. كما أن الإنسان الذي يستيقظ خلال الحلم ويستمر مستيقظًا لعدة دقائق يتذكر الحلم، أما الذي لا يستيقظ خلال الأحلام أو يستيقظ لدقائق ثم يعود للنوم فإنه في العادة لا يتذكر حلمه. لذلك أطمئن الذين لا يتذكرون أحلامهم طالما أن نومهم مريح ونشاطهم بالنهار طبيعي، وأتمنى أحلامًا سعيدة لمن يتذكرون أحلامهم. وهنا سنستعرض بعض الأبحاث التي ساعدتنا في فهم آلية تذكر الأحلام. فقد نشر بحث في شهر يناير 2013 في مجلة (Journal of Cerebral Cortex) قام به باحثون من مركز العلوم العصبية في ليون الفرنسية، ودرس الباحثون التغيرات التي تحدث في النوم عند من لديهم «قدرة عالية على تذكر الأحلام» وقارنوهم بمن لديهم «قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام». ووجد الباحثون أن أصحاب «القدرة العالية على تذكر الأحلام» كانت مرات الاستيقاظ من النوم لديهم ضعف عددها عمن صنفوا «قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام». كما أن أدمغة اصحاب «القدرة العالية على تذكر الأحلام» كانت أكثر استجابة للمؤثرات السمعية أثناء النوم واليقظة. هذه الزيادة في استجابة الدماغ تشجع الاستيقاظ أثناء الليل، وبالتالي قد تساعد في تذكر الأحلام خلال فترات اليقظة القصيرة. فمن المعلوم علميا، أن الدماغ غير قادر على حفظ المعلومات الجديدة خلال النوم، ويحتاج إلى الاستيقاظ لتذكر المعلومة. وهذه النظرية تدعمها أبحاث أخرى. ففي بحث قمنا به في المركز الجامعي لطب وابحاث النوم في جامعة الملك سعود ونشر في مجلة Sleep Medicine  في أكتوبر 2012، درسنا العلاقة بين اضطراب توقف التنفس اثناء النوم والذي من علاماته الشخير وتقطع التنفس المتكرر الذي يوقظ النائم من النوم بصورة متكررة. فقد درسنا 99 مصابا بتوقف التنفس اثناء النوم والتي كانوا يعانون من كثرة الأحلام والكوابيس (حسب تعريف الأكاديمية الأميركية لطب النوم) وقارناهم بعينة مماثلة في العمر والجنس وعدد مرات توقف التنفس في الساعة مكونة من 124 مصابا بتوقف التنفس أثناء النوم من دون أحلام متكررة أو كوابيس. ووجدنا أن توقف التنفس في مرحلة الأحلام كان أهم عامل لظهور الأحلام والكوابيس عند المصابين بتوقف التنفس اثناء النوم. وقد فسرنا النتائج بأن وجود اختناق في مرحلة الأحلام يسبب الاستيقاظ المتكرر وبعض التغيرات في مراكز العاطفة في المخ مما يسبب الكوابيس. فالاستيقاظ المتكرر من النوم ينتج عنه تذكر الحلم أو الكابوس. نتائج الدراسة تشير إلى أن توقف التنفس أثناء النوم قد يكون أحد اسباب تذكر الأحلام والكوابيس الليلية.

وقد ظهرت في فبراير 2014 نتائج دراسة مهمة ساعدتنا في فهم آلية تذكر الأحلام بشكل أكبر ونشر البحث في مجلة  (Neuropsychopharmacology)حيث قام باحثون في مركز العلوم العصبية في ليون الفرنسية باستعراض التغيرات التي تحدث في المخ عند من لديهم «قدرة عالية على تذكر الأحلام» وقارنوهم بمن لديهم «قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام». ولتحديد نشاط المخ أثناء النوم واليقظة، استخدم الباحثون التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PETScan). وأظهرت النتائج، أن نشاط المخ الذاتي كان أقوى من لديهم «قدرة عالية على تذكر الأحلام» في قشرة الفص الجبهي الأنسي وملتقى الفصين الصدغي والجداري، وهي منطقة من الدماغ تشارك في توجيه الانتباه نحو المثيرات الخارجية. هذا قد يفسر لماذا كان ذوو «القدرة العالية على تذكر الأحلام» أكثر تفاعلية مع المؤثرات البيئية السمعية أثناء النوم واليقظة، وأكثر استيقاظا أثناء النوم، وبالتالي أكثر قدرة على تذكر الأحلام. علما بأنه لوحظ في دراسات سابقة أن العطب في هاتين المطقتين من الدماغ يؤدي إلى عدم القدرة على تذكر واسترجاع الحلم. ما سبق من أبحاث يؤكد أنه بالفعل هناك أشخاص أكثر قدرة على تذكر أحلامهم.

هل يؤثر عدم تذكر الأحلام على وظائف المخ والذاكرة؟

أبحاث قليلة تعرضت لتأثيرات عدم تذكر الأحلام على الوظائف الذهنية العاطفية والوظائف الدماغية. ولكن في دراسة حديثة نشرت عام 2015 في مجلة بحوث النوم الأوروبية على عينة من الأشخاص المصابين باضطراب الأحلام السلوكي ألا توجد فروقات بين الوظائف الذهنية المعرفية بين الأشخاص الذين لا يتذكرون أحلامهم مقارنة بمن يتذكرون أحلامهم.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share