EN
:  حجم الخط
الأبحاث الحديثة تدعم نظرية أن مرض النوم القهري مناعي

أحد اسباب زيادة النعاس وعدم القدرة على مقاومة النوم هو ما يعرف بالنوم القهري والذي لا يعرف سببه بالتحديد بعد ولكن الأبحاث الحديثة بينت أن المرض قد يكون مرضا مناعيا. لذلك سنناقش اليوم الأبحاث التي تعرضت لآلية حدوث النوم القهري. ولكن قبل ذلك لا بد من التعريف بالنوم القهري حتى يتسنى للقارئ التعرف عليه.

النوم القهري غير الإرادي مشكلة طبية ذات عواقب شديدة على المصاب بها وبسبب نقص الدراية بهذا المرض فإن المريض قد يعاني لسنوات عديدة قبل أن يتم تشخيص الحالة وعلاجها. والنوم القهري غير الإرادي مرض يصيب جميع الأعمار من الجنسين ولكنه يكثر عند الشباب بين سن 15 و25 سنة ولدينا في المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم بكلية الطب -جامعة الملك سعود حاليا- حوالي 85 حالة موثقة من السعوديين تتراوح أعمارهم بين سن 5 و72 سنة. وعند السعوديين ظهرت أعراض المرض في المتوسط في سن 20.5 سنة، وفي المعدل عانى أكثرهم من المرض لمدة 8 سنوات أو أكثر قبل أن يتم تشخيصهم. وقد أظهرت الدراسات أن شيوع المرض يختلف من دولة لأخرى ومن جنس لآخر حيث تراوح شيوع المرض بين 0.1 و160 لكل مائة ألف شخص ونتوقع في السعودية حسب الأبحاث المتوفرة أن يكون شيوع المرض أربعين في كل مائة ألف.

وأعراض المرض الرئيسية هي التالية:

  • زيادة النعاس أثناء النهار: ويتكون من نوبات من النعاس لا يمكن مقاومتها تحدث أثناء النهار ويمكن أن تحدث في أي وقت وبدون سابق إنذار. وقد تحدث هذه النوبات في أوقات وأوضاع غير مناسبة. فقد تحدث أثناء قيادة السيارة أو بعض الأعمال التي تحتاج إلى التركيز مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة. وقد يستمر النوم من لحظات إلى أكثر من ساعة ويشعر بعدها المريض بالنشاط. وهذا العرض هو أكثر الأعراض شيوعا ويصيب جميع المرضى. وهذا العرض يظهر في كل المرضى.
  • الشلل المفاجئ أثناء اليقظة: وهذا العرض هو العرض المميز للنوم القهري. وخلاله يحدث شلل أو ضعف في عضلات الجسم كلها أو بعضها كأن يكون هناك ضعف في عضلات مفصل الركبتين أو عضلات العنق التي تحمل الرأس أو عضلات الفك السفلي أو عضلات الذراعين أو عضلات التحدث مما يجعل الكلام غير واضح وفي بعض الحالات يكون هناك شلل كامل في الجسم وقد يسقط المريض على الأرض ويظهر وكأنه مغمى عليه ولكنه في واقع الأمر في كامل وعيه. وعادة ما يكون هذا الضعف للحظات قليلة ولكنه في بعض الحالات قد يستمر لدقائق. وعادة ما تبدأ نوبات الشلل أو الضعف في المواقف العاطفية المفاجئة كالانفعال والغضب أو السرور والضحك. ويوجد هذا العرض في 72% من المرضى السعوديين المصابين بالمرض.
  • شلل النوم: وهو عدم القدرة على تحريك الجسم أو أحد أعضائه عند بداية النوم أو عند الاستيقاظ. وتستغرق أعراض شلل النوم من ثوان إلى عدة دقائق، وخلالها يحاول بعض المرضى طلب المساعدة أو حتى البكاء؛ لكن دون جدوى، وتختفي الأعراض مع مرور الوقت أو عندما يلامس أحد المريض أو عند حدوث ضجيج. ويوجد هذا العرض في 57% من السعوديين الذين قمنا بعلاجهم.
  • الهلوسة التي تسبق النوم: وهي أحلام تشبه الحقيقة تحدث عند بداية النوم ويصعب أحيانا تفريقها عن الواقع. وتوصف بالهلوسة وتكون في بعض الحالات مخيفة. وما يميز هذه الأحلام أنها تحدث عند بداية النوم في حين أن الأشخاص الطبيعيين يبدأون الأحلام بعد ساعة إلى ساعة ونصف من بدأ النوم. ووجد هذا العرض في 85% من السعوديين المصابين بالمرض.

ولله الحمد توجد أدوية فعالة للمرض تساعد المريض على تخفيف الأعراض ويتحسن أداء المصاب سواء كان طلابا أو موظفا.

الاكتشافات الجديدة التي نود نقاشها اليوم أظهرت ارتباط المرض بالجهاز المناعي بشكل أكبر وستفتح آفاقا جديدة للعلاج. فمنذ سنوات قليلة توصل الباحثون إلى وجود نقص في إفراز مادة تعرف بالهيبوكريتين تفرزها خلايا في منطقة في المخ تعرف بمنطقة تحت المهاد نتيجة لموت الخلايا المفرزة للمادة. ولم يعرف المختصون سبب موت هذه الخلايا. ومادة الهيبوكريتين عبارة عن ناقل عصبي يسبب اليقظة ويقلل من النوم ونقصه يسبب النوم والنعاس وأعراض النوم القهري الأخرى. وبعد ذلك بسنوات اكتشف الباحثون وجود أجسام مضادة لبروتين يعرف ببروتين TRIB2 عند المصابين بهذا المرض وقد نُشِرت دراستان تؤكدان هذه النتيجة في مجلة النوم المجلة الرسمية للأكاديمية الأمريكية لطب النوم (يوليو 2010). وهذه النتائج أشارت إلى أن الأجسام المضادة هي سبب موت الخلايا المفرزة للهيبوكريتين التي تفرزها منطقة تحت المهاد في المخ.

وأهم الأبحاث هو ما نشر هذا الشهر (يوليو 2015) في مجلة (Science Translational Medicine 01 Jul 2015)، حيث درس باحثون من جامعة ستنافورد العلاقة بين أحد اللقاحات التي استخدمت للوقاية من انفلونزا H1N1  وظهور مرض النوم القهري. حيث أظهرت أبحاث سابقة أنه كان هناك ارتفاع في نسبة الإصابة بالنوم القهري في بعض الدول بعد استخدام لقاح H1N1  عام 2009 ولم يظهر في دول أخرى. وتبين بعد ذلك أن الدول التي استخدمت لقاح Pandemrix  من شركة جلاسكو سميث كلاين زادت فيها نسبة الإصابة بالنوم القهري في الأشهر التي تلت أخذ اللقاح، في حين أن الدول التي استخدمت لقاح Focetria من شركة نوفارتس لم تزدد فيها حالات النوم القهري. وعند دراسة الفرق بين اللقاحين، تبين أن لقاح Pandemrix يحتوي بروتينات مشابهة لمادة الهيبوكريتين التي تنقص عند المصابين بالنوم القهري، في حين أن لقاح Focetria أحتوى على نسبة أقل بكثير من هذه البروتينات. ويعتقد الباحثون أن لقاح Pandemrix نشط الجهاز المناعي عند بعض المرضى الذين لديهم قابلية جينية لذلك لإنتاج أجسام مضادة للبروتينات المشابهة لمادة الهيبوكريتين. وبعد ذلك استطاعت هذه الأجسام المضادة عبور حاجز الدم في الدماغ بسبب التهاب أصاب بعد المرضى أو بسبب الارتفاع الكبير في الأجسام المضادة، وهاجمت هذه الأجسام المضادة الخلايا المنتجة للهيبوكريتين في منطقة تحت المهاد في قاع المخ وتسببت في وفاتها. وهذا يدعم بشكل أكبر نظرية أن مرض النوم القهري مرض مناعي. ومن المهم التنويه هنا أنه لم نجد زيادة في حالات الإصابة بالنوم القهري في قاعدة المعلومات لدينا في المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم بجامعة الملك سعود بعد لقاح H1N1. كما أنه من المهم التنويه أن حالات الإصابة بالنوم القهري بعد اللقاح كانت قليلة في دول العالم التي استخدمت لقاح، وقد أكد الباحثون أن خطر الإصابة بالنوم القهري بعد لقاح Pandemrix قليلة جدا وأن أخذ اللقاح كان ضروريا للتقليل من وفيات انفلونزا H1N1.

نتائج هذه الأبحاث تفتح المجال واسعاً لاستخدام علاجات مناعية مثل الأجسام المناعية المضادة أو استخدام الغسيل البلازمي. مثل هذه التدخلات قد تحد من موت الخلايا المفرزة لمادة الهيبوكريتين.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share