الربو الليلي

الربو الليلي مشكلة طبية شائعة، ونعني بها زيادة أعراض الربو والحساسية أثناء الليل. وحتى عند الأصحاء فإنه يحدث ضيق في مجرى الهواء أثناء الليل. فقد أظهرت الدراسات أن قياس القدرة القصوى للنفخ لدى الإنسان الطبيعي تقل بنسبة 8 في المئة ليلاً، بينما تصل نسبة النقص عند بعض المصابين بالربو الليلي إلى 50 في المئة. وكثير من مرضى الربو يدركون أن أعراض الحساسية تزداد لديهم ليلاً. وفي بعض الحالات فإن الأعراض تظهر في الليل فقط وتختفي في النهار. وتتكوّن هذه الأعراض من السعال، والأزيز، واحتقان الصدر، وزيادة البلغم، وأحيانًا اضطراب النوم. ونتيجة لتأثر النوم، فإن المصاب يعاني نقصًا حادًا في النوم مما يؤثر بدوره في نشاطه بالنهار. فقد ينخفض التحصيل العلمي للطفل وتقل إنتاجية الموظف وهكذا. كما أن أزمات الربو الشديدة تظهر عادة في الليل أو ساعات الفجر الأولى.

ما مدى شيوع هذه المشكلة؟

الكثير من الدراسات الحديثة أظهرت أن هذه المشكلة أكثر شيوعًا مما كان يعتقد سابقًا. فقد أظهر استبيان وُزّع على مرضى الربو الذين يخضعون للعلاج في المملكة المتحدة أن 39 في المئة من مرضى الربو يعانون أعراض الربو الليلي كل ليلة، وأن 64 في المئة منهم يعانون الأزيز ثلاث ليال بالأسبوع. وأظهرت دراسة أخرى أن ربع المرضى المصابين بالربو الخفيف يعانون أعراض الربو الليلي على الرغم من تناولهم العلاج. مما سبق يتضح لنا مدى شيوع المشكلة واستمرارية الأعراض في الليل على الرغم من السيطرة عليها في النهار، وهو الأمر الذي يوجب على الأطباء الحرص على سؤال المرضى عن الأعراض الليلة.

ما أسباب زيادة أعراض الربو بالليل؟

هناك أسباب متعددة ومتداخلة تجعل أعرض الربو تزداد بالليل. فتغير الإيقاع اليومي بين الليل والنهار يؤثر في كثير من وظائف الجسم ومنها الجهاز التنفسي. وكثير من هذه التغيرات لم يتم فهمها بصورة كاملة بعد، ولكن هناك الكثير من النظريات والفرضيات. فقد أظهرت الدراسات أن الجهاز التنفسي أكثر حساسية بالليل منه بالنهار، كما أن مجاري التنفس السفلية (القصيبات الهوائية)تكون في أضيق حالاتها الساعة الرابعة فجرًا. كما أن هناك العديد من التغيرات التي تحدث في الجسم مع تغير الإيقاع اليومي فيحدث نقص أثناء الليل في بعض الهرمونات التي تساعد على توسيع الشعب الهوائية مثل هرمونات الكورتيزول، والأدرينالين، وتحدث في الليل زيادة في بعض الوسائط التي تسبب الالتهاب. كما أن درجة حرارة الجسم تنخفض بمقدار درجة مئوية واحدة خلال النوم، وهذا قد يكون أحد أسباب زيادة حساسية مجرى الهواء أثناء النوم. كما أن زيادة تجمع الإفرازات في مجاري الهواء بسبب عدم إخراجها أثناء النوم قد تزيد من الأعراض. وهناك اضطرابات أخرى تحدث عند بعض المرضى أثناء النوم تزيد من أعراض الربو مثل المرضى المصابين بارتداد الحمض إلى المريء أثناء النوم والمرضى المصابين بتوقف التنفس أثناء النوم بسبب انسداد مجرى الهواء العلوي. كما أن المصابين بحساسية أو التهاب الجيوب الأنفية تزداد لديهم أعراض الربو بالليل بسبب تجمع الإفرازات القادمة من الجيوب الأنفية في مجرى الهواء العلوي نتيجة لعدم إخراجها بصورة منتظمة أثناء النوم. وهناك أمور بيئية خارجية تزيد من أعراض الربو أثناء الليل. فقد يوجد في بيئة غرفة أو في فراش النوم مواد تزيد من الحساسية كوجود عثة الغبار في الفراش والوسادة. وإذا كان المريض يربي حيوانات أليفة في البيت كالقطط فإن وجودها في غرفة أو فراش النوم قد يترك بعض القشور أو الشعر في الفراش مما يزيد من الحساسية أثناء النوم حتى وإن لم تسبب للمريض حساسية أثناء النهار لأنه كما ذكرنا سابقًا فإن حساسية الجهاز التنفسي تزداد بالليل.

Nocturnal Asthma

كيف يمكن علاج الربو الليلي؟

يتطلب علاج الربو الليلي تفهُم التغيرات التي تحدث في الليل وتزيد من أعراض الربو. لذلك على الطبيب الحصول على معلومات مفصلة عن المرض من المريض. وإذا كان المريض يتناول علاج الربو ولكنه لا يشعر بالتحسن، فيجب حينئذ البحث عن سبب ذلك، كأن يكون المريض غير منتظم في أخذ العلاج أو لا يجيد استخدام العلاج أو يحتاج إلى تعديل في جرعة أو نوع العلاج كما سنبين لاحقًا. كما يجب البحث عن الأسباب التي تم ذكرها سابقًا والتي تزيد من أعراض الربو الليلي كالتهاب الجيوب الأنفية أو توقف التنفس أو ارتداد الحمض إلى المريء وعلاجها. كما يجب جعل بيئة غرفة النوم مناسبة جدًا، حيث يفضل عدم استخدام السجاد (الموكيت) في غرف المصابين بالربو الليلي لأنه وسط مناسب جدًا لعيش عثة الغبار، كما ينصح بتنظيف غرفة النوم والفراش بصورة منتظمة من الغبار وغسل الشراشف وأكياس المخدات بصورة منتظمة، وعدم السماح للحيوانات الأليفة بدخول غرف النوم.

أما بالنسبة إلى العلاج الطبي فيجب في البداية مراجعة الأدوية التي يتناولها المريض وتعديل الجرعة إذا لزم الأمر. وعلاج الربو المستمر يتكون في الأساس من الأدوية الواقية والتي تتكون في أساسها من بخاخات كالبلميكورت والفلوكسيتايد وغيرهما. ولكن إذا استمر ظهور الأعراض في الليل، فيفضل حينئذ دعم بخاخات الستيرويدات بموسّعات الشعب طويلة المدى والتي يستمر مفعولها لمدة 12 ساعة كبخاخ الأكسيس والسيريفنت وغيرهما. وهذه البخاخات يستمر مفعولها لمدة كافية لتغطية الفترة التي تزيد فيها حساسية الجهاز التنفسي ويضيق فيها مجرى الهواء. ويجب أخذ هذه البخاخات بصورة منتظمة كل 12 ساعة حتى تغطي اليوم كاملاً. وقد أظهرت الدراسات أن استخدام موسّعات الشعب طويلة المدى يقلل من أعراض الربو الليلي ويحسّن نشاط المصاب في النهار بسبب تحسّن النوم. ولا يغيب عن القارئ أن أخذ أي من العلاجات السابقة يجب أن يكون تحت إشراف طبيب مختص.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب - جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share