إنفلونزا الطيور

يكثر الحديث عن إنفلونزالطيور ومحاولة السيطرة على العدوى. سنحاول في هذا السياق أن نشرح للقارئ الكريم أهمية هذه المشكلة الطبية ومدى خطورتها.

يمكن أن يصيب نوع A من فيروسات الإنفلونزا عددًا من الحيوانات مثل الطيور والخنازير والخيول والحيتان. وتعرف فيروسات الإنفونزا التي تصيب الطيور بفيروسات إنفلونزا الطيور. والطيور مهمة عند الحديث عن الإنفلونزا لأن الطيور البرية تعتبر المخزن الرئيسي لكل أنواع فيروس A. ويعتبر فيروس إنفلونزا A فيروسًا مهمًا عند الحديث عن الإصابة بالإنفلونزا لدى الإنسان لأنه الفيروس الرئيسي الذي يصيب الإنسان بالإنفلونزا. ويمكن تقسيم فيروس إنفلونزا A إلى عدة أقسام على أساس نوع البروتين الموجود على سطح الفيروس بروتين (HA) وبروتين (NA). وهناك أنواع كثيرة من فيروس الإنفلونزا A توجد كلها في الطيور، ولكن بحمد الله الأنواع التي تصيب الإنسان في العادة وتنتشر بين الناس في مواسم الإنفلونزا من نوع فيروس A محدودة وهي ثلاثة أصناف من  HA(H1, H2, H3) وصنفان من (NA(N1, N2 ولا أريد تصعيب الأمر لدى القارئ، ولكن هذا التقسيم مهم لمعرفة أنواع فيروسات الطيور التي تم تسجيل إصابة الإنسان بها في السابق.

Bird Flu

وإنفلونزا الطيور لا تسبب المرض للطيور البرية ولكنها تسبب مرضًا شديدًا للطيور الأليفة وقد تتسبب في موتها. وفي العادة لا تنتقل إنفلونزا الطيور من نوع A إلى الإنسان ولا تسبب العدوى له، ولكن منذ عام 1997 تم تسجيل حالات عديدة من إصابة الإنسان بفيروس الإنفلونزا عن طريق الطيور. ويمكن تلخيص حالات العدوى المسجلة منذ عام 1997 في التالي:

 1997: وحدثت العدوى في هونج كونج وكانت من فيروس A(H5N1) وتسببت في المرض للدجاج والإنسان، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يثبت فيها انتقال عدوى الإنفلونزا مباشرة من الطيور إلى الإنسان. وخلال هذا التفشي للمرض مات 6 أشخاص بسبب العدوى. وللسيطرة على العدوى اضطرت السلطات المحلية في هونج كونج لقتل نحو 1.5 مليون دجاجة للتخلص من مصدر العدوى.

1999: وحدثت هذه العدوى أيضًا في هونج كونج وأصيب طفلان بفيروس A(H9N2) وثبت أن الدجاج كان مصدر العدوى.

2003: أصيب شخصان من عائلة من هونج كونج بفيروس A ((H5N1)بعد سفرهما للصين، وقد شفي أحدهما وتوفي الآخر، ولم يتم تحديد مصدر العدوى.

2003: وحدثت العدوى في هولندا لدى بعض العاملين في مزارع تربية الدواجن وكانت من نوع A(H7N7) وكانت الأعراض محصورة في التهاب العينين وبعض أعراض التنفس، وقد توفي شخص واحد.

2003: تم تسجيل إصابة طفل من هونج كونج بفيروس A(H9N2).

وتحمل الطيور فيروس الإنفلونزا في العادة في أمعائها وتخرجه مع البراز، ولكن يمكن أن يوجد الفيروس في اللعاب والإفرازات الأنفية لدى الطائر المصاب، وتنتقل العدوى لدى الطيور عن طريق هذه الإفرازات الحاملة للفيروس، وتنتقل العدوى من طائر إلى آخر في العادة عن طريق الجهاز الهضمي عند تناول مواد ملوثة بالفيروس. وكما ذكرنا آنفًا فإن فيروس الإنفلونزا عادة لا يسبب أمراضًا خطيرة للطيور البرية، ولكنه قد يسبب مرضًا شديدًا للطيور الداجنة (الأليفة)، وهذا يعتمد أيضًا على صنف الفيروس.

ما أعراض الإصابة بإنفلونزا الطيور لدى الإنسان؟

تفاوتت الأعراض المسجلة لدى الإنسان من أعراض الإنفلونزا التقليدية المعروفة (مثل الحمى، السعال، التهاب الحلق، وألم العضلات) إلى التهاب العينين والإصابة بذات الرئة وفشل التنفس الحاد وبعض المضاعفات الخطيرة.

هل مضادات الإنفلونزا التقليدية فعّالة في منع الإصابة بالعدوى بإنفلونزا الطيور؟

أظهرت الدراسات المنشورة حتى الآن أن مضادات الإنفلونزا المصرح باستخدامها للإنفلونزا التقليدية يمكن أن تكون فعّالة لمنع الإصابة بإنفلونزا الطيور لدى الإنسان.

لماذا تولي السلطات الصحية على مستوى العالم إنفلونزا الطيور كل هذا الاهتمام؟

كما ذكرنا سابقًا فإن انتقال عدوى إنفلونزا الطيور إلى الإنسان ولله الحمد محدودة جدًا، ولكنه من المعلوم طبيًا أن فيروس الإنفلونزا لديه القدرة على التغير باستمرار؛ لذلك يبقى دائمًا الخوف من احتمال أن يحدث تغير في فيروس الطيور يجعله قادرًا على إصابة الإنسان بسرعة والانتقال من شخص إلى آخر بصورة سريعة، كما يحدث في الإنفلونزا التقليدية مما قد يؤدي إلى انتشار وباء عام (Pandemic). ولأن فيروسات الطيور لا تصيب الإنسان عادة فإن مناعة الإنسان ضدها ضعيفة جدًا أو معدومة؛ لذلك إذا تمكن أحد فيروسات الطيور من إصابة الإنسان وحدث التغيير اللازم في الفيروس للانتقال من شخص إلى آخر فإن احتمال حدوث وباء عام يكون موجودًا.

والوباء العام هو انتشار الفيروس على مستوى العالم، ويحدث عند ظهور فيروس إنفلونزا جديد لم يكن جسم الإنسان قد تعرض له في السابق ولا توجد مناعة له بعد. وفي القرن العشرين حدثت ثلاثة أوبئة عامة لفيروس الإنفلونزا مما تسبب في الكثير من الإصابات والوفيات.

1918-1919: وعرفت بالإنفلونزا الإسبانية وكانت من نوع A(H1N1) وتوفي في الوباء أكثر من 500 ألف شخص في الولايات المتحدة، وتوفي من 20 إلى50 مليون شخص على مستوى العالم، وقدر أن نحو نصف المتوفين كانوا من الشباب الأصحاء.

1957-1958: وعرفت بالإنفلونزا الآسيوية وكانت من نوع (A(H2N2 وحدثت العدوى في بدايتها في الصين وتسببت بوفاة 70 ألف شخص في الولايات المتحدة.

1968-1969:وعرفت بإنفلونزا هونج كونج وكانت من نوع (A(H3N2 ونتج عن الوباء وفاة 34 شخصًا في الولايات المتحدة.

وتنظّم منظمة الصحة العالمية ومركز التحكم في الأمراض بالولايات المتحدة وبالتعاون مع الكثير من المراكز الصحية على مستوى العالم برامج مسح شامل ومستمر لمراقبة ظهور أي نوع جديد من فيروس الإنفلونزا.

نسأل الله أن يحفظنا جميعًا من كل مكروه.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share