التدخين البيئي والصحة

قد تكون هناك قرارات تمنع التدخين في بعض الأماكن العامة ولكنها دون شك لم تفعّل إلا في أماكن قليلة كالمستشفيات، ويكفي أن ترى المدخنين من المسافرين في مطار الملك خالد الدولي الذين يلتزمون بأنظمة منع التدخين عندما يكونون في مطارات أجنبية، وما سبق ينطبق على المطاعم والأسواق وأماكن العمل وغيرها من الأماكن العامة في كثير من الدول العربية. عندما يدخّن المدخّن سيجارة فإن ضرر التدخين يتعداه إلى كل الموجودين معه في مكان التدخين، وهذا ما يعرف بالتدخين السلبي أو اللاإرادي، وحديثا عرف بتدخين التبغ البيئي (Environmental Tobacco Smoke).

وقد عرف الطب أخطار التدخين البيئي منذ السبعينيات الميلادية عندما أثبت أن التدخين البيئي يزيد من احتمال إصابة الأطفال بالتهابات الجهاز التنفسي السفلي، وفي الثمانينيات الميلادية ظهرت أول الدراسات التي ربطت التدخين البيئي أو السلبي بالإصابة بسرطان الرئة. وتتابعت بعد ذلك الأدلة على صلة التدخين البيئي بتصلب الشرايين وجلطات القلب والدماغ ونقص وزن حديثي الولادة وزيادة احتمالات الإصابة بالربو وبأمراض الصدر الانسدادية المزمنة وغيرها من الآثار الصحية السيئة. فالكثير من القراء الكرام يعلمون أن الدخان يحتوي على نحو خمسين مادة مسرطنة أو مولدة للسرطان والعشرات من المواد السامة والمهيجة؛ لذلك وضعت الكثير من الدول المتقدمة منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الميلادية القوانين التي تمنع التدخين في الأماكن العامة وتم تفعيل ذلك، ووضعت الضوابط التي تلزم الجميع باحترام هذه القرارات، ووضعت الآليات اللازمة للتأكد من التزام المدخنين بهذه الأنظمة فظهرت القوانين المختلفة في أمريكا الشمالية وأوروبا لمنع التدخين في الأماكن العامة حتى أن بعض الدول منعت التدخين بصورة كاملة ليس فقط في أماكن العمل والمطاعم والأسواق، ولكن وصل المنع إلى البارات؛ حيث يمنع مرتادوها من التدخين، في وقت لا تجد مكانًا مخصصًا لغير المدخنين في مطاعمنا.

وقد أجريت دراسات كثيرة في الدول والمقاطعات التي شرّعت قوانين منع التدخين لتقييم تأثير المنع في

Smoking and Environment

صحة الناس المرتادين للأماكن العامة. وقد أظهرت الدراسات نتائج مشجعة جدًا تؤيد نظرية تطبيق قوانين منع التدخين في الأماكن العامة؛ فقد أظهرت الدراسات أن مستوى المواد السامة في الدم لدى عينات عشوائية من غير المدخنين قد انخفض بصورة كبيرة بعد المنع. كما أظهرت دراسة أجريت في سان فرانسيسكو أن معدل الإصابة بأعراض تهيج الجهاز التنفسي العلوي والعينين قد انخفض من 77٪ إلى 19٪ بعد المنع، كما انخفضت أعراض الجهاز التنفسي السفلي مثل الأزيز والسعال والبلغم وضيق التنفس من 74٪ إلى 32٪ عند مرتادي الأماكن التي طبق فيها المنع. وتحسنت كذلك وظائف الرئتين المخبرية بصورة كبيرة.وأظهرت دراسة أجريت في ولاية مونتانا الأمريكية انخفاضًا كبيرًا في معدل الإصابة بجلطات القلب في الفترة التي تم فيها المنع مقارنة بالفترة التي سُمح فيها بالتدخين في الأماكن العامة.

وأظهرت الدراسات في الدول الأوروبية التي طبقت المنع نتائج مماثلة، كما أن عدد المدخنين انخفض، والذين استمروا في التدخين انخفض استهلاكهم للسجائر بصورة كبيرة. أتمنى أن نرى اليوم الذي يمنع فيه التدخين في الأماكن العامة لدينا، وأن يفعّل المنع، وأن نستفيد من تجارب من سبقونا في هذا المجال حفاظًا على صحتنا. بقي أن أضيف أن الدول التي طبقت المنع وجدت أن عملية التطبيق ليست بالموضوع الصعب، وأن العامة يتقبلون مثل هذا الأمر حتى المدخنون أنفسهم يتقبلونه في نهاية الأمر، ولكن الخبراء في فنلندا وهي إحدى الدول التي تطبّق المنع ينصحون بأن يواكب المنع حملات إعلامية توعوية بخطر التدخين البيئي أو السلبي، وأن تنشط البرامج التي تساعد المدخنين على وقف التدخين. نسأل الله للجميع الصحة والعافية.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share