تليف الرئة

لا بد أن أكثر القراء قد سمع بتليف الكبد، ولكن ربما لم يسمع بعضهم عن تليف الرئة، ومن سمع به ربما لا تكون الصورة واضحة بالنسبة إليه عن هذا المرض وأسبابه. ففي حين تسبب العدوى بفيروس الكبد تليفها في أكثر الحالات فإن السبب في تليف الرئة يكون في أكثر الحالات غير معروف السبب. وعلى الرغم من أن مرض تليف الرئة يكون في الكثير من الحالات غير معروف السبب إلا أنه في حالات أخرى قد يصاحب بعض الأمراض مثل التهابات الروماتيزم المزمنة، أو الاستنشاق المزمن لبعض المواد العضوية أو غير العضوية مثل مادة السيليسكا والاسبيستوس، أو بعض الأدوية كمضادات الأورام أو بعض الأمراض المناعية. وتليف الرئة ببساطة شديدة هو التهاب يصيب الخلايا التي تبطن الحويصلات الهوائية والشعيرات الدموية الرئوية وغشاء القاعدة الفاصل بين الخلايا والشعيرات الدموية. وهذا الالتهاب يتطور تدريجيًا إلى تليف في الرئة حتى يصل إلى مرحلة متقدمة تحطم الحويصلات الهوائية وتؤدي إلى نقص مزمن في مستوى الأوكسجين في الدم إن لم يتم علاجه. وكلمة تليف ليست دقيقة تمامًا، حيث إن اللفظ الأفضل للاستخدام هو أمراض الرئة الخلالية لأن المرض يصيب الخلايا ويتخلل خلال الفراغات بين الخلايا.

أعراض المرض:تبدأ أعراض المرض بضيق في التنفس مع المجهود، ويبدأ الازياد في الأعراض تدريجيًا على فترة أشهر، وفي الحالات المتقدمة يشكو المريض من ضيق التنفس المستمر ومن دون أي مجهود. ومع تقدم المرض تبدأ الأعراض الأخرى مثل السعال الجاف والذي في بعض الحالات قد يكون مستمرًا، وقد يصاحب ما سبق ضيق وعدم ارتياح في الصدر وضعف عام ونقص في الوزن. وفي حال التليف إن كان التليف ناتجًا عن أمراض أخرى كالروماتيزم فإن أعراض الروماتيزم في العادة تسبق أعراض الجهاز التنفسي. وتليف الرئة ولله الحمد مرض غبر شائع ولكنه مرض مزمن. ويصيب تليف الرئة غير معروف السبب في العادة متوسطي العمر، ولكن في حالات نادرة قد يصيب الشباب، كما أنه يزداد عند المدخنين. ومن خبرتنا مع المرضى فإننا لم نشاهد المرض يزداد عند أقارب المريض أو في عائلته.

 وللتأكد من تشخيص المرض يحتاج المريض إلى إجراء بعض الفحوص، فهناك بعض الاختبارات التي تجرى للدم للكشف العام، وفي حال اشتباه وجود مرض روماتيزمي فقد يتم إجراء اختبارات خاصة بالروماتيزم. ويتم إجراء اختبارات شعاعية للرئة ومنها أشعة الصدر المقطعية واختبارات لوظائف الرئة واختبارات للجهد وقياس الأوكسجين في الدم. وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر أخذ عينة صغيرة من الرئة تحت التخدير العام. والعينة تبين بشكل جيد نوع التليف أو مرض الرئة الخلالي؛ حيث إن هناك أكثر من نوع من هذه الأمراض واستجابتها للعلاج تختلف حسب نوع المرض؛ ففي حين أن هناك نسبة من هذه الأمراض تستجيب بصورة مقبولة للعلاج نجد أن هناك نوعًا واحدًا تكون استجابته للعلاج ضعيفة وفي حالات معينة ربما لا يستجيب. والعلاج في أساسه يتكون من مشتقات الكورتيزون مدعمة بأدوية المضادات الكيميائية. ويحتاج أصحاب الحالات المتقدمة إلى استخدام الأوكسجين في المنزل طوال اليوم للحفاظ على مستوى الأوكسجين في الدم وتجنب الآثار الجانبية لنقص الأوكسجين المزمن مثل زيادة ضغط الشريان الرئوي. وفي الحالات المتقدمة جدًا والتي لا تستجيب للعلاج يبقى الأمل العلاجي الوحيد زراعة الرئة حيث يتم زراعة رئة أو رئتين للمريض المصاب بالمرض. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي كل المرضى.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share