تجمع السوائل في الغشاء البلوري (الانصباب الجنبي)

توجد الرئتان داخل كيس يعرف بالغشاء البلوري أو غشاء الجنب وهو غشاء يحيط بالرئة وله وظائف مهمة حيث أن تغير الضغط داخل الغشاء بين سالب وموجب يسبب الشهيق والزفير كما أنه يسهل حركة الرئتين في الشهيق والزفير بدون أي احتكاك أو الم لأن تجويف البلورا (التجويف الجنبي) به سائل يعمل على سهولة حركة الرئتين أثناء التنفس وبدون أي احتكاك أو جهد يذكر ولذلك لا نشعر بجهد التنفس إلا في الحالات المرضية.

وهناك أمراض معينة تصيب هذا الغشاء البلوري وينتج عنها أعراض تنفسية سنحاول في هذا المقال مناقشتها باختصار.  وينتج عن هذه الالتهابات تجمع سوائل داخل التجويف البلوري وأحيانا تجمع هواء. وسنقصر حديثنا في المقال عن تجمع السوائل وسنخص مقال آخر عن تجمع الهواء داخل هذا التجويف.

تجمع السوائل داخل التجويف البلوري:

Accumulation of fluid in the membrane crystal

هناك أمراض عديدة تؤدي إلى تجمع السوائل داخل التجويف البلوري بكميات كبيرة تضغط على الرئة وتسبب ضيق التنفس.  أهم هذه الأمراض:

فشل القلب:

وينتج عنه تجمع السوائل بكميات كبيرة في التجويف البلوري بسبب ضعف عملية صرف السوائل داخل التجويف بسبب احتقان الأوردة والقنوات الليمفاوية.  ويعتبر فشل القلب أكثر الأسباب   شيوعا لتجمع السوائل داخل التجويف البلوري ويصاحب تجمع السوائل أعراض فشل أو هبوط القلب الأخرى مثل تورم الأقدام وأحيانا تجمع السوائل داخل تجويف البطن وضيف النفس وعدم القدرة على النوم مستلقيا في الفراش والحاجة لرفع الرأس بوسادتين أو أكثر أثناء النوم.

وعلاج تجمع السائل في التجويف البلوري في هذه الحالة يكمن في علاج هبوط القلب باستخدام أدوية تخفف الضغط على القلب وأدوية مدرة للبول.  وفي الغالب فإن السائل يزول بعلاج هبوط القلب ولا داع لسحب السائل.

التهابات الرئتين البكتيرية والفيروسية:

أو ما يعرف بذات الرئة أو الجنبة أو نيومونيا. حيث يتسبب التهاب الحويصلات الهوائية في التهاب الغشاء البلوري وتجمع السوائل داخل التجويف البلوري وقد تنتقل العدوى البكتيرية إلى التجويف البلوري وتسبب سائلا صديديا أو خراجا.  وتسبب أنواع مختلفة من البكتيريا هذا النوع من الالتهاب ومنها بكتيريا الدرن.  وأعراض المرض هي أعراض التهاب الرئة من ارتفاع في درجة الحرارة وضيق في النفس ورعشة وسعال مصحوب ببلغم اصفر أو أخضر وأحيانا مصحوبا بدم.  وإذا التهب الغشاء البلوري فإن المريض يعاني من ألم شديد في الصدر في موضع الالتهاب يشبهه المرضى بوجود طعنة في الصدر من شدة الألم ويستطيعون تحديد مكانه بدقة. 

وفي حال الاشتباه في وجود درن في الغشاء البلوري فإن ذلك قد يتطلب أخذ خزعة (عينة نسيجية) من الغشاء لفحصها مجهريا وزراعتها.

وعلاج المرض يكون بعلاج الالتهاب البكتيري بمضادات حيوية وتغذية المريض بشكل جيد واستخدام مسكنا للألم.  وفي حال وجود سائل في التجويف البلوري، لا بد من أخذ عينة تشخيصية من السائل وفي حال وجود علامات التهاب في عينة السائل فإن وضع أنبوب صرف للسائل يعتبر أمرا علاجيا أساسيا لتجنب تطور الالتهاب إلىخُراج.  

الأورام:

تعتبر الأورام أحد أسباب التي تؤدي لتجمع السوائل داخل التجويف البلوري.  وهذه الأورام قد تنشأ داخل التجويف نفسه ولكن ذلك نادر الحدوث.  الأكثر شيوعا هو وصول الورم للغشاء البلوري من مناطق أخرى مثل الرئتين أو القولون أو الثدي أو المبايض وغيرها.  ووجود الورم يسبب زيادة إفراز السوائل داخل التجويف ونقص في تصريفها، فتتجمع السوائل داخل التجويف وتسبب أعراضا كثيرة منها ضيق النفس وفي حال وصول الورم إلى الأعصاب فإنها قد تسبب ألما شديدا.  والعلاج في الأساس يتركز حول علاج الورم.  وفي مثل هذه الحالات فإن السائل المتجمع قد يحتاج إلى سحب لتخفيف الضغط على الرئة.  كما أنه يتم في بعض الحالات قفل أو طمس التجويف البلوري باستخدام مواد كيماوية طيبة لمنع تجمع السوائل داخل التجويف البلوري.  وإذا كان هناك ألم بسبب وصول الورم للأعصاب فقد يتم استخدام العلاج الإشعاعي.

جلطة الرئة:

وتبدأ الجلطة في معظم الحالات في الأوردة الموجودة في الساقين والفخذين وتعرف بالتجلط الوريدي العميق في الساقين. جزء من هذه الجلطات في الساقين قد ينفصل كليا أو جزئيا ويرحل بحرِّية في الجهاز الدموي الوريدي حتى يصل إلى الجهة اليمنى من القلب ومن ثم يتم ضخه من البطين الأيمن إلى الدورة الدموية الرئوية حتى يصل إلى الشرايين الرئوية ويسدها جزئيا أو كليا مما ينتج عنه تغيرات في فيزيولوجيا الجسم لها مضاعفات خطيرة مثل عدم قدرة الرئة على القيام بدورها الكامل في أكسدة الدم مما يسبب نقصا حادا في مستوى الأكسجين في الدم وكذلك يتسبب انسداد جزء كبير من الدورة الدموية الرئوية في نقص حجم الدم العائد للجهة اليسرى من القلب مما قد يسبب هبوطا حادا في ضغط الدم وصدمة قلبية.

وجلطة الرئة أحد الأسباب الشائعة لتجمع السائل داخل التجويف البلوري ولكن قد يغفل بعض المعالجين عن ذلك، مما قد يؤدي إلى تأخر التشخيص.  وأعراض جلطة الرئة تتفاوت في الشدة حسب حجم الجلطة ووظائف القلب والرئة الأساسية عند المصاب. ويعتبر ضيق التنفس أهم الأعراض وأكثرها شيوعا وقد يكون مصحوبا بأعراض أخرى مثل ألم الصدر والسعال والخفقان والدوخة وأحيانا يسعل المريض دما. وفي الحالات الشديدة قد يكون هناك نقص في مستوى الأكسجين في الدم.

وعند الشك في حدوث جلطة فلابد من عمل الاختبارات اللازمة التي تؤكد التشخيص أو تستبعده فيخضع المريض لأشعة للصدر وتحليل لغازات الدم وتخطيط للقلب وهذا الاختبارات تساعد المعالج ولكنها لا تؤكد التشخيص لذلك يتم عمل اختبارات إشعاعية أكثر دقة مثل الإشعاع الرقمي الطبقي أو الإشعاع النووي الرئوي للتروية والتهوية.

وعلاج المشكلة يتكون أساسا من علاج الجلطة، فبعلاجها تزول السوائل في التجويف البلوري. وعلاج جلطة الرئة يتم بوضع المريض على مسيلات الدم عن طريق الوريد أو تحت الجلد لعدة أيام وبعد التأكد من التشخيص، يتم كذلك وضع المريض على مسيلات الدم عن طريق الفم لمدة 6أشهر. وخلال العلاج يتم متابعة المريض بصورة دورية للتأكد من مستوى سيولة الدم. كما يجب على المرضى الذين يتناولون مسيلات الدم أن يحذروا عند تناول أي أدوية جديدة ومناقشة ذلك مع الطبيب المعالج لأن بعض الأدوية ترفع مستوى مسيلات الدم والبعض الآخر يخفض مستواها وكلا الأمرين قد يكون له مضاعفات خطيرة.

الأمراض المناعية:

هناك أمراضا مناعية قد تسبب تجمع السوائل في التجويف البلوري وتسبب ألما بسبب التهاب الغشاء البلوري وضيق في التنفس. ومن أكثر هذه الأمراض شيوعا ما يعرف بالتهاب الذئبة الحمراء الروماتيزمي.  وهو مرض مناعي له أعراض أخرى مثل بعض التغيرات الجلدية وبالذات في الوجه وآلام في المفاصل واعتلال في وظائف الكلى وقد يكون له بعض الأعراض العصبية. 

وعلاج الأمراض المناعية الروماتيزمية يتكون في الأساس من استخدام بعض الأدوية التي تعدل المناعة ويحتاج المريض إلى متابعة دقيقة ومتواصلة لتجنب مضاعفات المرض.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share