EN
:  حجم الخط
عادات النوم عند السعوديين

تختلف عادات النوم من شعب إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. وهناك عوامل كثيرة تشكل هذه العادات، ويعود كثير منها للثقافة السائدة في المنطقة والعرف السائد والتقاليد، ويلعب المناخ ودرجات الحرارة عاملا مهمًا في تكوين تلك العادات. والمجتمع السعودي كمجتمع مسلم تفرض عليه معتقداته بعض الأمور التي قد تشكل عادات النوم لدى الناس بسبب الالتزام بمواعيد الصلاة. كما أن حرارة الجو وخاصة بالصيف تؤثر في مواعيد النوم والاستيقاظ فيقل النشاط في فترة الظهيرة والعصر ويزداد في فترتي المساء والليل. وخلال السنوات العشر الماضية أصبح السهر ظاهرة واضحة في المجتمع السعودي، وقد يكون لبعض الأمور التي استحدثت على المجتمع دور في ذلك كظهور عدد كبير من القنوات الفضائية واستمرار المحال التجارية في العمل حتى ساعة مـتأخرة من الليل وكثرة الاستراحات والمقاهي. كل ما سبق أثر ويؤثر في عادات النوم لدى الناس بمختلف أعمارهم وخلفياتهم العلمية والثقافية. وقد ظهر في الفترة الأخيرة عدد من الدراسات التي أعطت بعض التصور عن عادات النوم لدينا. فقد وجدنا في بحث نشر سابقًا في المجلة الطبية السعودية عام 2005 أن وقت النوم خلال أيام الأسبوع لدى عينة من السعوديين معدل أعمارهم 33 سنة هو الساعة الـ12 والنصف بعد منتصف الليل، في حين كان معدل وقت النوم عند عينة مشابهة من غير السعوديين (غير العرب) ويعيشون في السعودية الساعة العاشرة و50 دقيقة مساء. وحصلنا على نتائج مشابهة عند دراسة عينة من طلاب كلية الطب ونشر البحث في مجلة العلوم العصبية عام 2005. ومشكلة السهر يعانيها الأطفال أيضًا؛ فقد وجدنا في عينة من 1012 طالبًا وطالبة في المرحلة الابتدائية أن طلاب المدارس الابتدائية يسهرون ليلا أكثر من قرنائهم من نفس المرحلة العمرية في الدول الغربية. مما سبق يظهر أن مجتمعنا تطبّع بعادة السهر، ويبدو أن هذه الظاهرة حديثة على المجتمع ولا تتوافق مع ثقافتنا التي تلزمنا بالاستيقاظ مبكرًا لأداء صلاة الفجر. والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من السهر والسمر في غير فائدة فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياك والسمر بعد هدأة الرجل) وفي رواية: (بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه) [أخرجه الحاكم وغيره]. والسهر ليلا ينتج عنه نقص في عدد ساعات النوم لأن وقت الدوام أو وقت الدراسة لا يتغير. لذلك يذهب الكثير من الطلاب إلى مدارسهم والموظفون إلى أعمالهم وهم لم يحصلوا على ساعات نوم كافية، وهذا ودون شك ينعكس على تحصيلهم وأدائهم وتركيزهم، ويزيد من نسبة وقوع الحوادث بمختلف أنواعها. وقد وجدنا في بحث نشر حديثًا في المجلة الطبية السنغافورية أن عدد ساعات النوم لدى طلاب المدارس الابتدائية لدينا أقل من قرنائهم في دول العالم الأخرى التي أحصت عدد ساعات نوم أطفالها. ووجدنا أن عدد ساعات النوم عند الأطفال الذين تعمل أمهاتهم أكثر من أطفال ربات البيوت، ونعتقد أن سبب ذلك هو ذهاب الوالدة إلى النوم مبكرًا بسبب التزامها بمواقيت الدوام، كما أن الأطفال الذين حصل والداهم على تعليم جامعي أو أعلى ناموا ساعات أكثر. ومن العادات السيئة التي انتشرت بين أطفالنا عادة مشاهدة التلفزيون ليلا؛ حيث يستمر 36 إلى 55 في المئة من الأطفال في مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو حتى وقت نومهم، وهذا بدوره ينعكس على وقت النوم؛ حيث ثبت علميًا أن مشاهدة التلفزيون حتى ما قبل النوم تزيد من اضطرابات النوم عند الأطفال وتسبب الأرق والتوتر وتزيد من مقاومة ورفض الطفل للذهاب إلى النوم. ونقص النوم خلال الليل ينتج عنه الرغبة في تعويض ذلك النقص خلال النهار، ويفعل الكثير ذلك بمحاولة الحصول على غفوة خلال المساء (القيلولة). والقيلولة من الهدي النبوي الشريف ومن العادات المتأصلة في المجتمعات العربية والإسلامية، ولكن القيلولة في الهدي النبوي لها آدابها وأوقاتها التي سنتعرض لها مستقبلا. أما القيلولة في وقتنا فقد اختلفت كثيرًا. فقد وجدنا أن عدد الذين يقيلون من الكبار يصل إلى نحو 80 في المئة، ومن طلاب المدارس الابتدائية 40 في المئة، علمًا أن القيلولة تكون نادرة في العادة عند الأطفال من سن 6 إلى 10 سنوات. ووجد أن وقت القيلولة لدى أكثر الأشخاص بين الساعة الثالثة والرابعة عصرًا وتراوحت مدتها بين الساعة والساعتين لدى أكثر المشاركين في العينة، وهذا الوقت أكثر بكثير مما ينصح به عند القيلولة.

Sleep Habits in Saudi Arabia

ما سبق يظهر أن هناك الكثير من العادات السيئة في النوم والتي بدأت تظهر في مجتمعنا، وقد يكون لها انعكاسات صحية واجتماعية وعلمية وأمنية. وهذا الموضوع يحتاج إلى بحث أكبر وتوعية بأهمية النوم السليم على أن تشمل التوعية الأفراد والجهات التعليمية ووزارة العمل والجهات الأمنية.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share