EN
:  حجم الخط
توقف التنفس خلال مرحلة الأحلام

من المعلوم طبيا أن توقف التنفس اثناء النوم يحدث خلال جميع مراحل النوم ولكنه يزداد خلال مرحلة الأحلام. وسنستعرض في هذا المقال توقف التنفس اثناء الأحلام. ولكن قبل ذلك، سنعرف القارئ بتوقف النفس اثناء النوم كاضطراب شائع يصيب الكثير من الناس.

خلال النوم تسترخي عضلات الجسم بصفة عامة، ويشمل هذا الاسترخاء عضلات مجرى الهواء العلوي، وهي العضلات التي تساعد على إبقاء مجرى التنفس مفتوحًا وتسهل حركة الهواء من وإلى الرئتين. وهذا الاسترخاء لا يؤثر عادة في سعة مجرى التنفس عند معظم الناس، إلا أن فئة معينة من الناس تكون لديهم القابلية لانسداد مجرى الهواء أثناء النوم، وقد يكون هذا الانسداد كليًا أو جزئيًا. ويمكن تفسير المشكلة عند هؤلاء الناس بشكل مبسط:

إن مجرى الهواء العلوي ينسد بشكل متكرر أثناء النوم بصورة كاملة أو جزئية، مما يؤدي إلى انقطاع التنفس، أو التنفس بشكل غير فعّال الأمر الذي يؤدي إلى تقطع في النوم، وهذا التقطع بدوره يؤدي إلى زيادة النعاس أثناء النهار. ويعرف انسداد مجرى الهواء الكلي وانقطاع التنفس أثناء النوم، بانقطاع التنفس الانسدادي، في حين يعرف ضيق مجرى الهواء أثناء النوم الذي لا ينتج عنه انسداد كامل لمجرى الهواء بمتلازمة زيادة مقاومة مجرى الهواء العلوي.

 وانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم هو مشكلة طبية معروفة تحتاج إلى العناية الطبية، وإذا أهملت هذه المشكلة فإنها تؤدي إلى عدة مضاعفات، بعضها قد تهدد حياة المصاب. وتصيب هذه المشكلة 6 إلى 11 في المئة من الأشخاص متوسطي العمر، وفي المملكة يعتبر خطر الإصابة بتوقف التنفس اثناء النوم مرتفع جدا بين الرجال والنساء على حد سواء بسب تفشي السمنة في المجتمع.

أعراض توقف التنفس اثناء النوم:

إن المفاتيح الرئيسية لمعرفة احتمال الإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم هي:

فرط النعاس أثناء النهار أو كثرة الخمول والتعب، والشخير، التوقف عن التنفس أثناء النوم، وزيادة اللهاث أو الشعور بالاختناق (الشرقة) والاستيقاظ المتكرر، وزيادة الرغبة في التبول بشكل واضح اثناء النوم، وجفاف الفم عند الاستيقاظ، الاستيقاظ صبحا بشعور متعب وقد يكون مصحوبا بصداع صباحي، وزيادة الحموضة ليلا وزيادة إفراز اللعاب خلال النوم، وقد يعاني بعض الرجال المصابين بهذا المرض من الضعف الجنسي. والمرضى المصابون بتلك الأعراض هم عادة من الذكور المتوسطي العمر الذين يعانون من الوزن الزائد (السمنة)، ولكن هذا الاضطراب قد يصيب أشخاصًا من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين وحتى أصحاب الأوزان الطبيعية. وبعض المرضى قد يكون لديهم مشكلات غير طبيعية في الأنف أو الحلق أو أي جزء من مجرى الهواء العلوي. وعلى القارئ أن يدرك أن تناول الكحول أو الحبوب المنومة تزيد من عدد مرات وفترة انقطاع التنفس خلال النوم عند المرضى المصابين بهذا الاضطراب أو الذين لديهم القابلية للإصابة به.

توقف التنفس خلال مرحلة الأحلام:

 أحد أهم أسباب توقف التنفس اثناء النوم هو ارتخاء عضلات مجرى التنفس العلوي واهمها اللسان التي ترجع للخلف، مما ينتج عنه ضيف في مجرى التنفس ومن ثم الشخير أو توقف التنفس في حال انسد مجرى التنفس العلوي. وقد استكشف بحث قام به باحثون في جامعة تورونتو ونشر في شهر نوفمبر 2012 في مجلة الجمعية الأمريكية للصدر آلية هذا الارتخاء وفتح مجالات جديدة للعلاج. فقد قام الباحثون بمراقبة نشاط عضلة اللسان والحجاب الحاجز أثناء النوم عند فئران التجارب وراقبوا مجرى التنفس واضطرابات التنفس في مختلف مراحل النوم. توصل الباحثون إلى أن ضخ مادة إيزيرين إلى مكان نشاط العصب تحت اللساني زاد من إفراز مادة الاسيتايلكولين مما تسبب في ارتخاء العضلة اللسانية. ووجد الباحثون أن استخدام مضادات المستقبلات المسكارينية (المضادة لمادة الاسيتايلكولين) منعت هذا الارتخاء وحافظت على مجرى التنفس مفتوحا. هذا الاكتشاف للمرة الأولى يفتح المجال لتطوير علاجات خاصة لعلاج توقف التنفس اثناء النوم والذي يحدث في مرحلة الأحلام. وهناك فئة من المرضى يحدث توقف التنفس عندهم حصريا خلال مرحلة الأحلام. علما بأن الإنسان الطبيعي يقضي 20-25% من نومه في مرحلة الأحلام.

من هي الفئات الأكثر عرضة للإصابة يتوقف التنفس خلال الأحلام؟

يزداد توقف التنفس أثناء الأحلام عند السيدات وصغار السن والأطفال. وبعكس توقف التنفس الذي يحدث في المراحل الأخرى، تكون الأعراض أخف حدة عند المصابين بتوقف التنفس أثناء الأحلام. ويميز توقف التنفس اثناء الأحلام، أن نسبة من المرضى تعاني من الكوابيس خلال النوم وهذا ما أظهرناه في بحث من جامعة الملك سعود نشرناه في مجلة طب النوم عام 2013.

هل توقف التنفس أثناء الأحلام اضطرابا حميدا؟

لفترة طويلة، كان هناك اعتقاد خاطئ بأن توقف التنفس في مرحلة الأحلام حميدا، لأن المرضى لا يعانون عادة من أعراض كثيرة، كما أن عدد مرات توقف التنفس أثناء النوم تكون عادة أقل من مرات توقف التنفس في المراحل الأخرى. ولكن حديثا تبين خطأ هذا الاعتقاد. ففي بحثين نشرا عامي 2014 و2015 وأجريا على عينة كبيرة من المرضى في الولايات المتحدة، تبين أن توقف التنفس أثناء مرحلة الأحلام هو المسبب الرئيسي للإصابة بارتفاع ضغط الدم عند الذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم. أي أن توقف التنفس في مراحل النوم الأخرى أخف ضررا من ناحية التأثير على ضغط الدم.

كيف يعالج اضطراب انقطاع التنفس أثناء النوم؟

توضع الخطة العلاجية لكل مريض على حدة بناء على تاريخه الطبي والفحص السريري ونتائج دراسة النوم.

المشكلة الأساسية عند المرضى المصابين بهذا الاضطراب هي انسداد مجرى التنفس والذي يمنع الهواء من الوصول إلى الرئتين. لذلك فإن إعطاء المريض الأوكسجين (عادة) لا يفيد في مثل هذه الحالات لأنه لا يحل مشكلة الانسداد. كما أن العقاقير الطبية (بشكل عام) لا تحسّن من حالة هؤلاء المرضى.

علاج المصابين بهذا الاضطراب يتكون من شقين: طرق العلاج العامة وطرق العلاج المحددة، وفيما يلي شرح بسيط لهذين الشقين:

طرق العلاج العامة:

هناك بعض الأمور التي تساعد على انسداد مجرى الهواء أثناء النوم مثل الحبوب المنومة، والكحول والتدخين لذلك يجب الابتعاد عنها. كما أن النوم على الظهر يساعد من احتمال انسداد مجرى الهواء عند بعض المرضى المصابين بالشخير، وقد يساعد نومهم على الجنب في وضع حد لهذه المشكلة. وزيادة الوزن تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم، لذلك فإن إنقاص الوزن قد يساعد على تقليص هذه المشكلة؛ إن نقص 10 في المئة فقط من وزن الجسم قد يؤدي إلى نتائج فعّالة على مستوى انقطاع التنفس. في أغلب الحالات لا تكفي الطرق العامة لعلاج هذا الاضطراب، وعندها يحتاج المريض إلى وسائل أخرى للعلاج.

طرق العلاج المحددة:

جهاز التنفس المساعد (السيباب): يعتبر السيباب العلاج الأساسي لانقطاع التنفس أثناء النوم. وتتلخص طريقة العلاج في أن يضع المريض قناعًا على وجهه يغطي منطقة الأنف، هذا القناع موصول بجهاز ضخ الهواء تحت ضغط موجب. ويعمل ضغط الهواء الموجب كدعامة تمنع انسداد مجرى الهواء.

تركيبات الأسنان:هذه الأدوات هي أدوات بلاستيكية، يقوم بتصميمها طبيب أسنان، وتوضع في الفم أثناء النوم لتصحيح وضعية الفك السفلي لزيادة حجم مجرى الهواء. وقد تبين أن هذه الأدوات تساعد بعض المرضى الذين يكون انغلاق مجرى التنفس لديهم خفيفا أو متوسطا.

العمليات الجراحية: لقد تم تطوير بعض العمليات الجراحية لزيادة حجم مجرى الهواء ومن ثم علاج انغلاق مجرى التنفس. وتعتبر العمليات الجراحية العلاج الأولي لأغلب الأطفال المصابين بهذه المشكلة، ولكن نسبة نجاح العملية لدى الكبار متفاوتة وتعتمد على حالة المريض وخبرة المركز الطبي وخبرة الجراح. الآثار الجانبية طويلة المدى غير معروفة بعد، ويصعب التنبؤ عادة بنوعية المرضى الذين قد ينجح معهم التدخل الجراحي. ومن الضروري أن يعرف المرضى أن العملية الجراحية قد تحد من الشخير؛ إلا أنها ربما لا تحل مشكلة انغلاق مجرى الهواء، لذلك فإنه يجب على جميع المرضى أن يخضعوا لدراسة النوم لليلة واحدة بعد إجراء العملية. وتتفاوت العمليات الجراحية من العمليات تحت التخدير العام إلى استخدام الليزر أو الموجات الحرارية في جلسات متكررة في العيادة.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share