EN
:  حجم الخط
النوم القهري

ما النوم القهري؟     

مرض نوبات النعاس أو النوم القهري (Narcolepsy)مرض يصيب الجهاز العصبي ويرافق المريض مدى الحياة، وإن لم يشخص ويعالج فقد يؤثر في المريض تأثيرًا بالغًا، كما سيتم توضيحه لاحقًا. ويربط أول وصف موثق للمرض بالعالم جيلينيو عام 1880. أهم أعراض المرض نوبات شديدة من النعاس لا يمكن مقاومتها. ويقدر أن المرض يصيب الناس من كلا الجنسين أغلبهم لا يتم تشخيصهم. ويمكن أن تظهر أعراض النوم القهري في أي عمر ولكنها تظهر في معظم الحالات في بداية سن المراهقة. وهناك أدوية تساعد المريض كثيرًا، ولكن لا يوجد علاج يقضي على المرض. والنوم القهري مرض عضوي ينتج عن نقص مادة في الجهاز العصبي تدعى أوركسين (هيبوكريتين). ولا علاقة للمرض بأي سبب نفسي. والمرض ليس له تأثيرات عضوية أخرى ولا يؤثر في حياة المرضى بصورة مباشرة. ويبدو أن العامل الوراثي يلعب دورًا في ظهور المرض. ويصيب المرض حسب التقارير المنشورة من مختلف البلدان 23 إلى 190 شخصًا في كل 100 ألف شخص. وفي المملكة أجرى أ.د. سعد الراجح دراسة في الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة الثقبة على أكثر من 23 ألف شخص وتوصل إلى أن المرض يصيب 40 شخصًا في كل 100 ألف شخص (0.04 في المئة) مما يعني أن هناك آلاف المرضى في السعودية لم يتم تشخيصهم وعلاجهم حتى الآن. ويوجد لدينا في سجل مرض النوم القهري في الجامعة نحو 55 مريضًا سعوديًا. ووجدنا في بحث نشرناه في المجلة الطبية السعودية أن متوسط أعمار المرضى عند تشخيصهم كان 28.9 سنة، وكان المدى (9 إلى 65 سنة). ولكن أعراض المرض ظهرت في المتوسط في سن 20.5 سنة أي أن أكثر المرضى في المعدل عانوا من المرض لمدة 8 سنوات أو أكثر قبل أن يتم تشخيصهم. وهذا يعكس نقص الدراية بالمرض لدى الكثير من العاملين في القطاعات الصحية وعدم معرفة المرضى بالتخصص الذي يجب عليهم التوجه إليه للحصول على العلاج مما يؤكد أهمية التوعية والتثقيف الصحي بالمرض.

Narcolepsy

ما المشكلات التي يمكن أن يواجهها المريض المصاب بالنوم القهري؟

لأن المرض غير معروف بعد لدى الكثير من الناس، فإن المرضى المصابين بهذا المرض يعانون الكثير قبل أن يتم تشخيصهم. وتجد العائلة والمدرسون والزملاء صعوبة في فهم ما يحدث للمريض. وحتى المريض نفسه يجد صعوبة في فهم ما يحدث له. ويصوّر الناس الشخص المصاب بالنوم القهري في صورة الشخص الكسول والخامل مما ينعكس سلبًا على نفسية المريض ويقلل من ثقته بنفسه ويخلق له مشكلات كثيرة في المدرسة والعمل. والمرض يصيب في العادة الشباب وأحيانًا الأطفال والكبار، ووجدنا في دراسة أجريناها على 50 سعوديًا مصابين بالمرض ونشرت في مجلة الطب السعودي أن معدل العمر الذي تظهر فيه الأعراض هو سن العشرين. ولأن المرض غير شائع فإن الكثير من الناس يجهل التخصص الطبي الذي يفترض أن يذهب إليه للعلاج، كما أن كثيرًا من الأطباء معلوماتهم قليلة عن هذا المرض. لذلك وجدنا أنه تمر في المعدل 8.5 سنة بين ظهور الأعراض والتشخيص عند المرضى السعوديين المصابين بالمرض.

ما أعراض المرض؟

هناك أربعة أعراض رئيسية للمرض سنستعرضها ثم نذكر نسبة ظهورها في المرضى السعوديين المصابين بهذا المرض حسب الدراسات التي أجريناها على المرضى السعوديين:

  • زيادة النعاس أثناء النهار:ويتكون من نوبات من النعاس لا يمكن مقاومتها تحدث أثناء النهار، ويمكن أن تحدث في أي وقت ومن دون سابق إنذار. وقد تحدث هذه النوبات في أوقات وأوضاع غير مناسبة. فقد تحدث أثناء قيادة السيارة أو بعض الأعمال التي تحتاج إلى التركيز مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة. وقد يستمر النوم من لحظات إلى أكثر من ساعة ويشعر بعدها المريض بالنشاط. وهذا العرض هو أكثر الأعراض شيوعًا ويصيب جميع المرضى. وهذا العرض يظهر في كل المرضى.
  • الشلل المفاجئ أثناء اليقظة:وهذا العرض هو العرض المميز للنوم القهري. وخلاله يحدث شلل أو ضعف في عضلات الجسم كلها أو بعضها، كأن يكون هناك ضعف في عضلات مفصل الركبتين أو عضلات العنق التي تحمل الرأس أو عضلات الفك السفلي أو عضلات الذراعين أو عضلات التحدث مما يجعل الكلام غير واضح، وفي بعض الحالات يكون هناك شلل كامل في الجسم وقد يسقط المريض على الأرض ويظهر وكأنه مغمى عليه، ولكنه في واقع الأمر في كامل وعيه. وعادة ما يكون هذا الضعف للحظات قليلة ولكنه في بعض الحالات قد يستمر لدقائق. وعادة ما تبدأ نوبات الشلل أو الضعف في المواقف العاطفية المفاجئة كالانفعال والغضب أو السرور والضحك. ويوجد هذا العرض في 72 في المئة من المرضى السعوديين المصابين بالمرض.
  • شلل النوم:وهو عدم القدرة على تحريك الجسم أو أحد أعضائه عند بداية النوم أو عند الاستيقاظ. وتستغرق أعراض شلل النوم من ثوانٍ إلى عدة دقائق، وخلالها يحاول بعض المرضى طلب المساعدة أو حتى البكاء، لكن دون جدوى، وتختفي الأعراض مع مرور الوقت أو عندما يلامس أحد المريض أو عند حدوث ضجيج. ويوجد هذا العرض في 57 في المئة من السعوديين الذين عالجناهم.
  • الهلوسة التي تسبق النوم:وهي أحلام تشبه الحقيقة تحدث عند بداية النوم ويصعب أحيانًا تفريقها عن الواقع. وتوصف بالهلوسة، وتكون في بعض الحالات مخيفة. وما يميز هذه الأحلام أنها تحدث عند بداية النوم، في حين أن الأشخاص الطبيعيين يبدأون الأحلام بعد ساعة إلى ساعة ونصف من بدء النوم. ووجد هذا العرض في 85 في المئة من السعوديين المصابين بالمرض.

وهناك أعراض أخرى قد يعانيها المصابون بهذا المرض:

  • النوم المتقطع خلال الليل:على الرغم من زيادة النعاس خلال النهار فإن المرضى قد يعانون من النوم المتقطع خلال الليل لأسباب غير معروفة. ووجد هذا العرض في 38 في المئة من المرضى السعوديين.
  • الحركات الذاتية اللاإرادية:حيث إن نوبة النوم قد تحدث خلال قيام المريض ببعض الأعمال الروتينية فيستمر المريض في عمل ما كان يقوم به قبل النوبة دون وعي منه ولا يتذكر أنه فعل ذلك عند استيقاظه. وهذه الظاهرة قد تكون خطيرة إذا كان المريض يقوم ببعض الأعمال التي تحتاج إلى التركيز كالقيادة مثلا. ولم يكن هذا العرض بارزًا لدى المرضى السعوديين.

ما الذي يحدث في الدماغ خلال هذه الظاهرة الغريبة؟

من الثابت علميًا أن النوم يتكون من عدة مراحل، أحد هذه المراحل يدعى (حركة العين السريعة)، وتحدث الأحلام خلال هذه المرحلة. وتبدأ هذه المرحلة في الحالات الطبيعية بعد نحو ساعة ونصف من بداية النوم. وقد خلق الله سبحانه وتعالى آلية تعمل لتحمينا من تنفيذ أحلامنا؛ تدعى هذه الآلية (ارتخاء العضلات). وارتخاء العضلات يعني أن جميع عضلات الجسم تكون مشلولة خلال مرحلة الأحلام ما عدا عضلة الحجاب الحاجز وعضلات العينين. فحتى لو حلمت بأنك تقوم بمجهود عضلي كبير، فإن آلية ارتخاء العضلات تضمن لك بقاءك في سريرك. وتنتهي هذه الآلية بمجرد انتقالك إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم أو استيقاظك من النوم، إلا أنه وفي بعض الأحيان يستيقظ المريض خلال مرحلة حركة العين السريعة، في حين أن هذه الآلية (ارتخاء العضلات) لم تكن قد توقفت بعد؛ وينتج عن ذلك أن يكون المريض في كامل وعيه ويعي ما حوله، ولكنه لا يستطيع الحركة بتاتًا. والمرضى المصابون بالنوم القهري يدخلون مرحلة الأحلام مباشرة عند نومهم. وحيث إن الشخص لا يكون قد استغرق في النوم بعد فإنه يشعر بأن الحلم أكثر حيوية وربما لا يستطيع تفريقه عن الواقع. وحيث إن المرضى المصابين بهذا المرض لديهم زيادة كبيرة في نسبة مرحلة الأحلام فإن هذه المرحلة من النوم أو جزءًا منها قد تحدث للمريض وهو مستيقظ، وهذا ما يفسر زيادة النعاس خلال النهار والشلل المفاجئ أثناء اليقظة.

هل يؤثر هذا المرض في التحصيل العلمي للطلاب؟

هذا المرض لا يؤثر بصورة مباشرة في الذكاء أو القدرات العقلية، ولكنه قد يؤثر بصورة غير مباشرة في التحصيل العلمي نتيجة للنوم الزائد ونقص ثقة المريض بنفسه. لذلك يجب التعرف على المرضى بأسرع وقت وبدء علاجهم. كما أنه يجب شرح الحالة للمدرسين في المدرسة أو للزملاء في العمل حتى يتم تفهم المرض ومساعدة المرضى. وجميع المرضى الذين قابلتهم عانوا من هذه المشكلة كثيرًا بسبب وصف المجتمع لهم بالكسل والخمول وعدم تفهم الآخرين لحالتهم بسبب غياب التشخيص الدقيق للحالة ومن ثم التوعية اللازمة للأهل والمدرسة.

كيف يتم تشخيص المرض؟

بعد التقييم السريري وأخذ التاريخ المرضي يطلب من المريض إجراء دراسة للنوم خلال الليل؛ حيث يتم مراقبة العديد من وظائف الجسم العضوية خلال النوم لاستبعاد أي أسباب أخرى لزيادة النعاس. وفي نهار اليوم التالي للدراسة الليلية يجرى اختبار آخر يدعى اختبار احتمالات النوم خلال النهار (MSLT). لإجراء هذا الاختبار فإن على المريض البقاء في مركز النوم معظم اليوم التالي لليلة دراسة النوم. وخلال هذا الاختبار يعطى المريض عدة فرص للنوم (4 إلى 5 غفوات قصيرة) ويقاس خلالها المدة التي يستغرقها المريض للنوم وللوصول إلى مرحلة الأحلام.

كيف يتم علاج المرض؟

 على الرغم من أنه لا يوجد علاج يشفي من هذا المرض إلا أنه يمكن السيطرة على أكثر الأعراض في أغلب الحالات.

  •  زيادة النعاس: وينقسم العلاج إلى علاج بالعقاقير الطبية والعلاج السلوكي.
  1. العلاج بالعقاقير:
  2. هناك الكثير من الأدوية المنبهة التي تستخدم في هذه الحالة أهمها مشتقات الفيتامين. وحديثًا تم استخدام عقار جديد يدعى مودافينيل. والمريض الذي يستخدم أيًا من هذه الأدوية يحتاج إلى متابعة دقيقة من طبيب مختص.
  3. العلاج السلوكي:

-  ويتكون أساسًا من الانتظام الكامل في مواعيد النوم والاستيقاظ وفي نظام الحياة بصورة عامة، وهذا أمر أساسي في العلاج.

- الغفوات الاستراتيجية: وتعني أخذ غفوات قصيرة (10 إلى 15 دقيقة) عند الشعور بالنعاس الشديد إذا سمحت الظروف.

  •  شلل النوم والشلل المفاجئ أثناء اليقظة والهلوسة التي تسبق النوم:

ويستخدم لعلاجها مضادات الاكتئاب. وسبب استخدام هذه الأدوية أنها تقلل من مرحلة الأحلام مما ينتج عنه تخفيف الأعراض السابقة. وللحالات المقاومة، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية حديثًا على عقار جديد يدعى زيرم وهو يستخدم في حالات شلل النوم التي لا تستجيب للعلاج الأولي، ولدينا حاليًا ثلاثة مرضى على هذا العلاج وأظهروا استجابة ممتازة ولم تظهر لديهم أعراض جانبية.

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share