EN
:  حجم الخط
النوم خلال شهر رمضان

يرتبط شهر رمضان في ذهن الكثير من الناس بالسهر ليلا والنوم نهارًا. وهذا النمط من الحياة يختلف من بلد مسلم إلى بلد آخر؛ حيث يبدو أن العادات السائدة في المجتمع تؤثر في نمط حياة الفرد خلال الشهر الكريم.

من ناحية أخرى فإن التغير السريع في نمط تناول الطعام من النهار إلى الليل (الصوم خلال النهار والإفطار في الليل) يصاحبه بعض التغيرات العضوية (الفسيولوجية) في الجسم.

والسؤال المعتاد سماعه:

 هل يؤدي الصيام خلال شهر رمضان إلى زيادة النعاس والنوم؟

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى بعض التفصيل، حيث يجب التفريق بين تأثير الصوم في فسيولوجية الجسم وبين تأثير تغير نمط الحياة خلال شهر رمضان وتأثير ذلك كله في النوم.

كيف يؤثر تغير نمط الحياة خلال رمضان في النوم؟

يرتبط شهر رمضان لدى الكثير بالسهر خلال الليل. وتحدث تغيرات في نسق حياة المجتمع ككل مما يساعد على السهر خلال الليل. فساعة بدء الدوام تتأخر خلال رمضان وتنشط المحال التجارية حتى ساعة متأخرة من الليل وكذلك القنوات الفضائية وتكثر اللقاءات الاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء حتى ساعة متأخرة من الليل. وينتج عن السهر نقص حاد في عدد ساعات النوم خلال الليل لدى البعض مما قد يسبب الخمول والنعاس وتعكر المزاج خلال النهار.

وقد وجدنا في دراسة أجريناها على طلاب كلية الطب (عينة مكونة من 56 طالبًا وطالبة) أنه لا يوجد اختلاف في مجموع ساعات النوم التي ينامها الطالب خلال شهري شعبان ورمضان؛ فقد نام الطلاب نفس عدد الساعات خلال شهر شعبان والأسابيع الثلاثة الأولى من رمضان. ولكن الاختلاف كان ظاهرًا وجليًا في مواعيد وقت النوم والاستيقاظ. فقد تأخر وقت النوم لدى الطلاب من الساعة 11:30 مساء إلى نحو الساعة الثالثة فجرًا خلال الأسبوع الأول من رمضان، واستمر هذا التغير في الأسابيع التالية، وتأخر وقت الاستيقاظ من الساعة 6:30 صباحًا إلى الساعة 8:45 صباحًا خلال الأسبوع الأول من رمضان والساعة 9:15 صباحًا في الأسبوع الثالث من رمضان. ولم يصاحب ذلك تغير في عدد أو مدة الغفوات خلال النهار.

والمفارقة أنه على الرغم من حصول الطلاب على نفس عدد ساعات النوم فإنهم كانوا يشتكون من زيادة حادة في النعاس خلال نهار شهر رمضان، وهذا قد يعزى إلى احتمالات منها: التغير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ، احتمال وجود تغيرات فيسيولوجية مصاحبة للصيام كتغير إفراز هرمون النوم (الميلاتونين) خلال الصوم، أو احتمال وجود بعض العوامل النفسية أو تغير المزاج التي تصاحب الصيام وتؤثر في النوم. وتبقى كل الاحتمالات السابقة نظرية وتحتاج إلى تأكيد.

هل تحدث تغيرات فيسيولوجية تؤثر في النوم خلال الصيام؟

هناك بعض العوامل التي قد تؤثر في فيسيولوجية النوم خلال الصيام. فتغير نمط ومواعيد ونوعية الأكل الفجائية من النهار إلى الليل قد ينتج عنها زيادة عمليات إنتاج الطاقة (الأيض) خلال الليل مما قد يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الجسم خلال الليل. ففي العادة تنقص درجة حرارة الجسم نحو نصف درجة مئوية قبل النوم مما يساعد على النوم، ولكن نتيجة لزيادة الأكل في رمضان خلال الليل قد ترتفع درجة حرارة الجسم مما قد يؤدي زيادة النشاط وعدم الشعور بالنوم خلال الليل. ويتبع ذلك خلال الصيام انخفاض درجة حرارة الجسم أثناء النهار والشعور بالنعاس أو بصورة مبسطة تغير الساعة الحيوية في الجسم. وهذه إحدى النظريات المطروحة عن علاقة الصوم بالنوم ولها ما يدعمها من الدراسات.

ولكن هذه النظرية لم تتطابق مع بحث أجريناه حديثًا على مجموعة من المتطوعين الأصحاء؛ حيث لم نجد أي اختلاف في النظام المعتاد لدرجة حرارة الجسم بين شعبان ورمضان، كما أننا لم نجد أي تغير مهم في النظام (الإيقاع) اليومي لإفراز هرمون النوم (الميلاتونين) خلال الشهر الكريم. كما أن دراسات وقياسات النوم الموضوعية في المختبر لم تظهر أي تغير في جودة النوم خلال شهر رمضان. وعلى الرغم من شعور الصائمين بالنعاس خلال النهار إلا أن القياسات الموضوعية لزيادة النعاس في المختبر لم تظهر أي زيادة في النعاس خلال شهر رمضان عند حصول الصائم على نوم كافٍ خلال الليل.

وقد أظهرت الدراسة السابقة زيادة وزن الصائمين خلال شهر رمضان وزيادة نسبة الدهون المكونة للجسم، وهذا يعود للإفراط في الأكل خلال الليل.

لذلك وبناء على الدلائل المتوافرة من الأبحاث يبدو أن الصوم في حد ذاته لا يؤثر في جودة النوم ولا يسبب زيادة النعاس خلال النهار. وأن التغيرات التي تحدث في النوم خلال شهر رمضان قد يكون مردها إلى تغير نمط الحياة خلال شهر الصوم.

من ذلك تتركز النصائح للصائمين خلال الشهر الكريم على الانتظام في نمط الحياة اليومي وعدم التغير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ، فنوم النهار لا يغني عن نوم الليل. لذلك ينصح القارئ الكريم بالحصول على ساعات نوم كافية خلال الليل والحصول بعد ذلك على غفوة قصيرة خلال النهار إن أمكن. كما أن الإفراط في الأكل خلال الليل وبالذات قبل النوم يؤدي إلى اضطراب النوم وزيادة ارتداد الحمض إلى المريء مما يؤثر في جودة النوم. وتزداد أهمية ما سبق ذكره في حق الأطفال، حيث يجب على الوالدين مراعاة حصول أطفالهما على نوم كافٍ خلال شهر رمضان.

Sleep in Ramadan

 

أ.د. أحمد سالم باهمام
كلية الطب - جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم

Share